قصة لكل يوم طريق بقلم محمد العبادي
وصلت باب الثانوية والبواب على وشك إغلاقها
لكنني دخلت قبل أن يفعل وصعدت الدرج جاريا لم أتوقف إلا وأنا ألهث من التعب في
مقعدي بالقسم بعد أن استرجعت أنفاسي أخرجت كتابي
ودفتري ووجهت بصري نحوى أستاذي الذي كان ينتظر أن يعم الهدوء في القسم ليبدأ الدرس
فا التلاميذ يصدرون صوتا مزعجا ناتج عن الأحاديث الثنائية الدائرة بينهم كصوت جيش
من الذباب لا تستطيع الأذن تحمله ولا يوقف هذا الضجيج إلا ضربات للأستاذ بالممسحة
الخشبية على السبورة ويتكلم:
_اليوم سنرى مادا أعددتم عن موضوع اللاوعي الذي كلفتكم به في الحصة السابقة.
فعندما أكمل كلامه كأنه بسهم قد رماني فأنعش ذاكرتي لأنني نسيت أمر الموضوع فحرت مادا أفعل وأي عذرا أتقدم به هل أكذب؟فأغمضت عيني ولما فتحتها وجدت أن القسم أصبح فارغا لم أعرف ما الذي حدث خرجت من القسم وسلكت نفس الطريق التي أسلكها يوميا ففي طريقي التي أمر منها يوميا مثل قطار اعتاد أن يمر من نفس السكة لكن طريقي ما يكون فيه اليوم لا يكون فيه غدا طريقي مليء بالوجوه المألوفة والغريبة فمنها من يؤلف قصص قصيرة ومنها من يبدأ فصل رواية طويلة طريقي يتفرع إلى مسالك وكل مسلك ينقسم إلى ممرات وكل ممر يؤدي إلى مكان وكل يوم أجرب مسلكا وهدا اليوم قررت تجربة طريق لم أسلكه من قبل وعند نهايته وجدت منزلا مطليا بلون أسود قاتم لا يوجد به أي باب فقط نافدة صغيرة بالكاد تستطيع العين تمييزها وأتساءل لمن هذا السجن؟وأنصت جيدا فأسمع صوت ضحك ممتزج بصرخات فأستغرب لأمر هؤلاء الدين يضحكون هل لهم أجنحة حتى دخلوا هدا المنزل؟أم أنهم عفاريت،وأنا مركز بصري على النافدة رأيت أحد يخرج منها وينزل إلى الأرض بهدوء كأنه مقاوم للجاذبية لما لمست رجله الأرض تجاهلني وبدأ يبتعد فنادية عليه:
_يا رجل هل يمكنك إخباري كيف دخلت من تلك النافدة التي لا تسع طفلا صغيرا وكيف نزلت؟؟
_في مملكة عقلك يمكنك فعل أي شيء بالطريقة التي تشاء...
حاولت أن أستفسر أكثر لكنه اختفى فهمت من كلامه أنني أستطيع فعل ذلك فقط بعقلي فأغمضت عيني وقلت أتمنى أن أطير وأن أدخل هذا المكان فجأة أحسست أني أرتفع عن الأرض والأجمل في هذا هو الهواء الذي تحس وكأنه يدغدغك،رفعت عيني نحوى النافدة وكلما اقتربت منها إلا وصغرت وعند وقوفي أمامها كان اتساعها لا يتعدى العشرين سنتمترا ففعلت كما في المرة الأولى فتمنيت أن يكبر المدخل وإذا بالنافدة تتحول إلى مدخل كبير فارتميت بداخله حينها كنت أستطيع أن أعرف بأنني أنزل في مكان عميق لم توقفني سوى الأرض الصلبة لكن لم يحدث لي أي ضرر ولما وقفت وجدت نفسي أمام الألف من الأبواب وتصدر من كل باب أصوات مختلفة لفتني صوت طفل صغير ينبعث من إحدى الأبواب تشجعت ودخلتها واكتشفت أمرا لم أرى مثله من قبل كان صاحب الصوت رجل في متوسط العمر لم أنبس بكلمة واكتفيت بالنظر فقط وهو أيضا لم يعرني أي اهتمام وبدأ ينطق بكلام غير مفهوم لم أصبر كثيرا وسألته: ما بك يا رجل هل أنت بخير؟ أجابني بصوت لا يخلوا من غضب:
_أنا لست رجلا أنا مجرد طفل صغير...
_إن صوتك يقول ذلك لكن جسمك يحيل لأمر غير ما تقوله.
_نعم أنا طفل ندمت على اليوم الذي تمنيت فيه أن أصير رجلا.
_(ظننته يمزح معي فقط وقلت له بعد أن ضحكت)لا بأس تمنى أن تصير طفلا مرة أخرى.
_يبدوا إما ؟أنك لا تعرف القانون السائد هنا وإما أنك تسخر مني.
_وما هو القانون السائد هنا إذا ؟
_هنا لديك الحق في تمني ثلاثة أمنيات فقط وأنا لم يبقى لي أي أمنيات إضافية.
_ولكن ماذا فعلت با الأمنيتين التي تبقت لديك؟
_لقد ؟أهدية إحداها لشخص عزيز علي أما الأمنية الأخيرة فهي التي أوصلتني إلى هنا.
_وكيف وصلت إلى هذا المكان الغريب ؟
_هذا المكان يصل إليه كل من له مشكلة وينتظر إلى أن يأتي أحد ويساعده.
_حقا أنا لم أفهم شيئا عن قصة هذه الأمنيات وعن هدا المكان أصلا لكنني أضن لو أنك تركت الأمور تسير كما هي ويأتي كل شيء بوقته لما وصلت لما أنت فيه.
_أنا أحتاج لمن يساعدني أما النصيحة فقد مللت منها فبسببها تمنيت أن أصير رجلا لكي لا أتلقى النصائح من أحد وأصبح حرا.
_ولكن هل تضن أن الرجال لا يحتاجون النصيحة ؟ بالطبع لا فالنصيحة ضرورية للجميع،على كل حال سأعطيك أمنيتا من أمنياتي الثلاث لتحل بها مشكلتك.
_لو قدمت لي هذا المعروف سأكون ممتنا لك.
_ولكن ماذا ستفعله بهذه الأمنية التي سأعطيها لك؟
_سوف أتمنى أن أعود طفلا ولا أصبح رجلا مجددا.
_إنك لا تستوعب الدروس جيدا يا ولد لكن سأمنحها لك تمنى ما تريد.
خرجت من الباب فإذا به يغلق انتهيت من باب واحد لكن لا زال هناك ألاف من الأبواب المفتوحة توجهت نحوى باب أخر فإذا بعشرات الأبواب تفتح في الباب الذي غلق عشرات الأبواب ولما دخلت وجدت رجلا طاعن السن تغطي وجهه لحية خفيفة استطاع الشيب أن يغزوها نضرت إلى وجهه الذي تعلوه ابتسامة عريضة بادرت بالكلام :
_ما مشكلتك أنت يا جدي هل تحتاج إلى مساعدة ؟
_بعد أن ضحك كثيرو أجابني أنت الذي وقعت في مشكل وأنت الذي تحتاج لمساعدة .
_ولكن أليس لديك مشكل كالجميع هنا وتحتاج لمساعدة؟
_يبدو أنك غرير بالحياة تعمل على حل مشاكل الآخرين ومن الأصل لما تدخل منزلا بلا أبواب ولماذا تتبع طريقا لا تعرفه الآن عليك أن تخرج من هنا قبل أن تضل عالقا...
فكرت فيما قاله لي الرجل فأغمضت عيني متمنيا أن أخرج من هذا المنزل ولما فتحتها كنت أقف خارج
أسوار المنزل الغريب وقفت حائر لأن الطريق الذي أتيت منه اختفى فقررت أن أتبع الطريق الممتد خلف المنزل تبعت الطريق الطويل الذي يخترق أرضا قاحلة لا يسمع فيها سوى زفير الريح وبعد ساعة من المشي المتواصل تبادر لي من بعيد قصر ضخم فوق ربوة تحيط بها أشجار عملاقة واصلت السير وعندما أصبح بين وبينه بضعة مئات من الأمتار رأيت شخص متوجها نحوى بابه وكانت تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها بشرا في هذا الطريق جريت نحوه وتبعته دون أن أسأل عن هدفه أو غايته تجاوزنا باب القصر وسرعان ما وجدت نفسي مع هذان الشخص وسط ساحة ضخمة بلطت أرضيته بالرخام انتظرت مع هذا الغريب إلا أن جاء شخص إلينا وطلبا من الشخص أن يتبعه دون أن ينظر إلي وكأني غير موجود تبعه الشخص وأنا خلفه دخلنا بابا تلوى الأخر بالقصر إلى أنت وصلنا قاعة واسعة امتلأت عن أخرها بالناس وفي أقصاها يجلس ثلاثة أشخاص على كراسي عالية عن بقية الناس طلب الرجل الأوسط من الشخصان التقدم إلى مقدمة القاعة ضللت في مكاني لكنهم أيضا لم يعيروني اهتماما تكلم وقال :
_اعرض مشكلتك على الجميع لنرى ما الذي تريد أن تحكي لنا.يتكلم الشخص بصوت مسموع
_اليوم سأحكي لكم عن قصة مدينة تعاني ونحن صامتين لا نفعل شيء وكأننا غير موجدين يشير بيده نحوى نافدة بالقاعة لكنني لم أرى أي مدينة لعله يقصد مدينة تقع با الاتجاه الذي أشار إليه أترون تلك المدينة هبت رياح جافة على أسوارها المنسية من طرف الجميع ما يسمح ببقاء ها سوى انتمائها الجغرافي فلا زالت تعيش على ذكريات الأمس والمجد الذي عاشته والذي لم يبقى منه سوى أسوارها التي تحكي عن تاريخها لكنها لا زالت تقاوم السيول الجارفة لأن ما يجعلها تصمد سوى حبها في البقاء وتحقيق الاعتراف والوجود والهوية لكنها ستصمد رغم أن إخوتها اشتروا اعترافهم ببيعها والصمت عن ما تعانيه فالمدينة خيرت بين أمور عدة الصمت مقابل الاعتراف أو الكلام مقابل العقوبة،لكنها لطالما فضلت الكلام والمقاومة وكانت تعاقب بكثير من العزلة تعاقب لأنها عبرت عن الحقيقة كما هي كان بإمكانهم تركها لأنها باتت وحيدة وسط إخوتها عملا بمبدأ اليد الواحدة لا تصفق لكنها فجاءتهم بمبدأ جديد هو أن اليد الواحدة لا تصفق لكن بإمكان أصابعها أن تحدث فرقعة هذا ما جعلهم يلتفتون إليها ويضعونها على لائحتهم السوداء وصل بها الحال إلى أقصى درجات العقاب إنها مخفية عن أعين الناس لا أحد يعلم مكانها ليرتكبوا بها المجازر لكنني الوحيد الذي عرفت هذا كيف لازال هناك مكان في العالم تمارس فيه مثل هذه الأشياء ؟ما هو واجبنا ودورنا؟
يتدخل الرجل الذي على اليمين ويأمره بالتوقف والخروج من القاعة ويضحك الجميع ساحرين منه يغادر القاعة وهو يجر ذيول الخيبة لم أجد إلا أن ألحقه ولما صار خارج القصر نادية عليه.
_يا رجل توقف أريد أن أسألك. هل ما تقوله صحيح؟يقف ويلتفت نحوي
_إن ما قلته صحيح وهم يعلمون وخائفون .
_إذن أكمل لي ما رأيته فأنا أصدقك.وأخبرني كيف استطعت أن تجدها وتكتشف ما يحصل بها؟
_سأحكي لك من الأول إلى الأخير لأنه يظهر على وجهك أنك تريد سماعها بصدق. أتعرف شيء يدعى مؤتمرات السلم التي تجرى سنويا.
_نعم بطبيعة الحال من لا يعرف تلك المؤتمرات وعند قيامها تمتلئ شاشات القنوات بنقاشات حولها ...
_كنت أعمل صحفيا أغطي أحداث مؤتمر من هذه المؤتمرات وكان يتمحور حول الأسلحة الفتاكة والسلم العالمي وبعد انتهائه مباشرة خرج منظميه بلباسهم الرسمي الذي يحي لك أنهم ملائكة يكرسون حياتهم من أجل البشرية والسلم،لكنني تبعتهم متسللا إلى آن دخلوا غرفة يبدوا أنها مخصصة للاجتماعات السرية وجلسوا حول طاولة وضعت ‘ليها بعض أجهزت الكمبيوتر المتطورة وعليها بعض الخرائط وقال رئيسهم الذي كان يرتدي بذلة خاصة تمييزه عن البقية:
_إننا عقدنا هذا الاجتماع الطارئ لنقرر ما سنفعله لأن الكلاب بدؤوا موجة تمرد جديدة.هذا ما ذكره التقرير الذي أرسله لنا الضابط المكلف بمحاربة التمرد.
إلى جانبه كان يجلس رجل ضخم الجثة يضع نظارات سوداء تخفي عينيه وتكلم بصوت خشن
_أين وصلت عملية التطهير فالوقت يمر بسرعة؟
_سيدي إنها تمر في ظروف صعبة إننا نتعرض لمقاومة شرسة.
_ماذا؟؟؟نمدكم بالأموال والأسلحة لتقولوا لنا هذا الكلام...
فتدخل رئيسهم ليهدئ الرجل الضخم وقال له لكي يطمأنه:
_لا تقلق يا سيدي اليوم سنرسل كتيبة من أقوى وأحدث قواتنا وسننتهي من أمرهم .
_سنرى ذلك ومن الأفضل لكم أن يتم ذلك في سرية تامة التي لطالما حافظنا عليها.
علمت أنهم سيرسلون القوات الخاصة عند منتصف الليل وعدت إلى المنزل وجهزت آلات تصويري الرقمية لأنني قررت تجشم أمر هذه المدينة التي يرتكبون فيها المجازر،وعند منتصف الليل تسللت إلى إحدى الشاحنات العسكرية وارتديت لباسا عسكريا ثم خرجت وانضممت إلى صفوف الجنود بدأنا نصعد الشاحنات العسكرية أما أنا فكنت ضمن إحداها كل ما استطعت أن أراه هو أنها كانت تحمل الرقم واحد ولما اكتملت عملية شحن الجنود أغلق علينا من كل الجهات تركوا فقط فتحات في سقف الشاحنة للتهوية فمباشرة استنتجت أن المكان سري ولا يريدون أن يعرف أحد من الجنود الطريق المؤدية إليه فجأة بدأت أحس أن الشاحنة تتحرك لم أسمع صوت أي حديث يدور بين الجنود فقط صمت يلتهم الصمت وملل أحسست أنه يتسرب إلى نفسي بسرعة خصوصا وأنا مع بشر كأنهم صخور لا تتحرك وأحيانا لما أحدق بالصخور أحس أنها تريد أن تتحرك وتتمرد على جمودها الأبدي أما هؤلاء حتى عيونهم لا تكاد تكون طبيعية فبؤبؤ أعينهم لا يعرف مكان غير الوسط حاولت تقليدهم لكي لا أثير الشك وخصوصا وأنا أحمل في الحقيبة آلات تصوير لكن تحالف التعب والملل استدعوا النوم الذي كان قادرا على إطباق جفون عيني فغفوت فلم أن قد هنات استراحة جندي قبل حرب طويلة حتى اخترق طبلة أذناي صوت كأنه رعد يتردد في واد عميق:
_ممنوع النوم أيها الجندي الغبي انهض حالا ...
فلما فتحت عيني كان شخصا ذو وجه قاس يكاد الشرر يتطاير من عينيه عرفت من خلال طريقة تصرفه أنه قائد الكتيبة التي أنا ضمنها.فتكلم أحد الجنود وكانت تلك المرة الأولى أحسست بنوع من الراحة لأنني تأكدت أنهم بشر بقدر ما أحسست بنوع من الريبة لأمر هذا القائد:
_يبدوا أنه جديد ولا يعرف ما ينتظره ولو عرف لن ينام منذ اليوم هههههههه.
ويضحك الجميع ساخرين لكنني كظمت غيظي ولم أعره أي انتباه وكنت أحفظ بيتا شعريا لأحد الشعراء ورفعت صوتي ورددته على مسامعهم:
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا يزيد سفاهة فأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا.
إذ نطق السفيه فلا تجبه فخير إجابته السكوت وإن كلمته فرجت عنه وإن تركته كمدا يموت
فما إن أكملت حتى ضحك الجميع منه انفجر غضبا ورماني بقنينة ماء فارغة ووقف متوجها نحوي وهو يردد
_أنا سفيه سأريك من السفيه سأعلمك أن الشعر ممنوع هنا سأريك
لكن تدخل قائد الكتيبة حال دون أن يقع شجار أوقف الشاحنة وطلب مني النزول بعد أن أغمض عيني بعصابة ونقلني إلى شاحنة أخرى صعدت ونزعت العصابة من عيني ففي هذه الشاحنة كتب الرقم اثنان أي أنني نقلت إلى الشاحنة التي كانت خلفنا أخدت مكاني ضمن المجموعة التي كانت تختلف عن المجموعة الأخرى لكونهم يرتدون ألبسة سوداء ويضعون أقنعة معدنية فبدوا مثل رجال آليين لكنهم على كل حال أفضل من مجموعة الحمقى الآخرين أحسست أن شيء ينقصني ولم أعرف ما هو استمررت في التفكير في هذا الشيء الذي ينقصني إلا أن أحسسنا باهتزاز قوي تبعه صوت انفجار خلق فوضى فأسطول الشاحنات توقفت جميعها فانطلقت أصوات من الجنود الذين كانوا معي وتوهجت أعينهم بالون الأحمر فعرفت أنهم حقا جنود آليين فأصبت بالدهشة لما وصلوا إليه في التكنولوجيا العسكرية لكنهم لم يتحركوا أردت أن أعرف ماذا حدث ونظرت من نافدة صغيرة لم يغلقوها لأن الجنود مجرد آليين فسمعت من أحد الضباط يتكلم في هاتف لا سلكي :
_سيدي إنها الدفاعات الآلية دمرت الشاحنة
العسكرية الأولى يبدوا أنها كانت تحمل أدوات تجسس سيدي لن نتمكن معرفة ما هي ومن
يحملها لأن الشاحنة دمرت بما تحمله من جنود عن أخرها.
فعندما سمعت
هدا الكلام عرفت أن ما كان ينقصني هي حقيبتي وآلات التصوير هي التي جعلت دفاعاتهم
المتقدمة تكتشفها وتدمرها دون أي رحمة بجنودهم الذين كانوا داخل الشاحنة فحمدت
الله لأنني نسيتها هناك فلو أحضرتها لكنت الآن رمادا وحتى هذا الحادث كان أمرا
جيدا ليبعث لي برسالة قوية هو أنني علي أن أكون حذرا أكثر من الحذر نفسه الآن وبعد
أن فقدت آلات التصوير التي كنت سأنقل بها دلائل على ما يحدث بهذا المكان لم يعد لي
أي عمل سوى هو الحفاظ على حياتي ونقل بعض الحقائق ولو شفويا وحتى التراجع لم يعد
متاحا لي.أكملنا تقدمنا ولم أعد أشعر بأن الوقت يمضي وكأنه توقف تعبت ومللت من هذا
الجلوس الطويل داخل هذه الشاحنات وكأننا خراف تشحن إلى مجزرة ،فقد شاب صبري من هذه
الحالة التي نحن عليها لساعات ولا أعلم متى ستنتهي.
_حقا إنه قصة مشوقة يا رجل كقصص الأفلام.
_يبدوا أنك لا تصدقني وإن كنت لا تصدقني لماذا أضيع وقتي معك فأنت تريد الاستمتاع فقط .
_ولكن لما يسمع الناس قصة أو يقرؤونها إلا للاستمتاع بدرجة أولى وحتى إن كانت حزينة.
_يكفيك بهرجة يبدو أنك تريد أن تضيع لي وقتي فإن لم يصدقني من يفترض أنهم دو ألباب فكيف يصدقني مراهق مثلك لا زال في مرحلة لا يميز ما يجب أن يفعله.
_يظهر لي جليا أنك لا تعرف أن كم من مرة يكون الأصغر أحكم من الكبار.
_وإن كنت حكيما حقا كيف تتبع شخصا دون أن تعلم إلى أين هو ذاهب؟
_إن ما جعلني أتبعك وأتبع هذا الطريق هو حبي في معرفة الجديد واكتساب التجارب،وإن كنت تقلل من قيمتي فوداعا فإن من يقدرني فانتظاري. تركته وبدأت أبتعد فجأة أحسست بكف يربت على كتفي.
_انتظرني أنا أعتذر منك فقط أخطأت في حقك هي لنجلس وأكمل لك ما حصل لي وما رأيته لعلك تكون خيرا من البقية فأنا حكمت عليك دون علم.
_لا بأس إدا جيد أنك عرفت الخطاء الذي ارتكبته وتواضعت واعتذرت
_حقا إنه قصة مشوقة يا رجل كقصص الأفلام.
_يبدوا أنك لا تصدقني وإن كنت لا تصدقني لماذا أضيع وقتي معك فأنت تريد الاستمتاع فقط .
_ولكن لما يسمع الناس قصة أو يقرؤونها إلا للاستمتاع بدرجة أولى وحتى إن كانت حزينة.
_يكفيك بهرجة يبدو أنك تريد أن تضيع لي وقتي فإن لم يصدقني من يفترض أنهم دو ألباب فكيف يصدقني مراهق مثلك لا زال في مرحلة لا يميز ما يجب أن يفعله.
_يظهر لي جليا أنك لا تعرف أن كم من مرة يكون الأصغر أحكم من الكبار.
_وإن كنت حكيما حقا كيف تتبع شخصا دون أن تعلم إلى أين هو ذاهب؟
_إن ما جعلني أتبعك وأتبع هذا الطريق هو حبي في معرفة الجديد واكتساب التجارب،وإن كنت تقلل من قيمتي فوداعا فإن من يقدرني فانتظاري. تركته وبدأت أبتعد فجأة أحسست بكف يربت على كتفي.
_انتظرني أنا أعتذر منك فقط أخطأت في حقك هي لنجلس وأكمل لك ما حصل لي وما رأيته لعلك تكون خيرا من البقية فأنا حكمت عليك دون علم.
_لا بأس إدا جيد أنك عرفت الخطاء الذي ارتكبته وتواضعت واعتذرت
.جلسنا أرضا
وتابع حكيه.
_وبعد وقت طويل رأينا أسقف ونوافذ الشاحنات تفتح فأدركت أننا اقتربنا من المكان ولهذا تركونا نرو فجأة أحسست أن الشاحنة توقفت فأخرجت رأسي لأرى ما يحدث فلما نظرت كان هناك باب ضخم يقف أمامه جنود وآلياتهم منتشرين على طول سور عالي لا تستطيع أن ترى نهايته لا من جهة اليمين ولا من جهة اليسار فتحت الباب وسمح لنا بالمرور ولما تجاوزناه رأيت على الطريق لوحة كتب عليها عشرة كيلومترات أي المسافة التي تفصلنا عن المدينة تقدمنا وعلى كل كيلومتر كنا نتوقف عند حاجز جنود فمن كل هذه الإجراءات علمت أن هذا المكان محصن جيد فلن يستطيع أحد الخروج منه ولما تبقى أقل من كيلومترين لاحت في الأفق سحابة دخان تتصاعد من مدينة أحيطت بسياج عالي وضخم ما بقي حرا سوى سماءها كانت تلك العلامة الأولى لما يدور داخل هذه المدينة والتي كانت كافية لبت الرعب داخل قلبي وصلنا أمام السياج وفتح بشكل أوتوماتيكي ودخلت جميع الشاحنات ولم تتقدم أكثر طلب من أن ننزل وذلك ما فعلناه لكن الرجال الدين كانوا معي ظلوا هناك اجتمعنا بساحة امتلأت عن أخرها بالجنود نظرت إلى الشاحنات الواقفة التي نقلتنا فكان عددها كبيرا جدا وهدا ما يفسر هذا العدد الكبير من الجنود الذين ملئوا الساحة وبعد وقت ليس بالطويل من الوقوف تقدم أحد الجنود لباسه يختلف عن لباسنا يبدوا أنه قائد لهذه القوات صعد منصة كانت تعلونا وشرع في التكلم:
_إننا اليوم سنبدأ مهمتنا التي قدمنا من أجلها اليوم ستكون بداية نهاية هؤلاء المتمردون الذين كلفونا أكثر من قيمتهم سنقدم لكم هذه القارورات التي بها شراب سيمنحكم قوة وبعدها نبدأ الاحتفال.
_وبعد وقت طويل رأينا أسقف ونوافذ الشاحنات تفتح فأدركت أننا اقتربنا من المكان ولهذا تركونا نرو فجأة أحسست أن الشاحنة توقفت فأخرجت رأسي لأرى ما يحدث فلما نظرت كان هناك باب ضخم يقف أمامه جنود وآلياتهم منتشرين على طول سور عالي لا تستطيع أن ترى نهايته لا من جهة اليمين ولا من جهة اليسار فتحت الباب وسمح لنا بالمرور ولما تجاوزناه رأيت على الطريق لوحة كتب عليها عشرة كيلومترات أي المسافة التي تفصلنا عن المدينة تقدمنا وعلى كل كيلومتر كنا نتوقف عند حاجز جنود فمن كل هذه الإجراءات علمت أن هذا المكان محصن جيد فلن يستطيع أحد الخروج منه ولما تبقى أقل من كيلومترين لاحت في الأفق سحابة دخان تتصاعد من مدينة أحيطت بسياج عالي وضخم ما بقي حرا سوى سماءها كانت تلك العلامة الأولى لما يدور داخل هذه المدينة والتي كانت كافية لبت الرعب داخل قلبي وصلنا أمام السياج وفتح بشكل أوتوماتيكي ودخلت جميع الشاحنات ولم تتقدم أكثر طلب من أن ننزل وذلك ما فعلناه لكن الرجال الدين كانوا معي ظلوا هناك اجتمعنا بساحة امتلأت عن أخرها بالجنود نظرت إلى الشاحنات الواقفة التي نقلتنا فكان عددها كبيرا جدا وهدا ما يفسر هذا العدد الكبير من الجنود الذين ملئوا الساحة وبعد وقت ليس بالطويل من الوقوف تقدم أحد الجنود لباسه يختلف عن لباسنا يبدوا أنه قائد لهذه القوات صعد منصة كانت تعلونا وشرع في التكلم:
_إننا اليوم سنبدأ مهمتنا التي قدمنا من أجلها اليوم ستكون بداية نهاية هؤلاء المتمردون الذين كلفونا أكثر من قيمتهم سنقدم لكم هذه القارورات التي بها شراب سيمنحكم قوة وبعدها نبدأ الاحتفال.
وزعت علينا قارورات تحتوي على شراب غريب لم أرى مثله من قبل فتحوها وشرعوا في شربها لكنني أفرغتها أرضا لكي لا أشربها رآني أحدهم وتقدم نحوي وحدق في وجهي وقال:
_ألم تشربها...ألست منهم من تكون،لاتخف حتى أنا لست منهم.
كانت مفجأة بالنسبة وله عندما رأيته يتقدم نحوي ضننت أنه قد شك في شيء لكنه عندما قال لي أنه ليس منهم أدخل الطمأنينة إلى قلبي وأجبته:
_نعم أنا لست منهم أنا هنا فقط لكشف بعض الحقائق أنا صحفي ولكن ماذا تفعل أنت هنا ؟
_ أنا هنا لأبحث عن شخص أعرفه لقد تم اختطافه من طرف هؤلاء الأنذال.
_حسنا هذا أمر جيد إدا فل نبقى معا وليساعد بعضنا بعضا في هذا المكان الخطير.
وذاك ما حدث بقينا جنبا إلى جنب بعد دلك وزعت علينا أسلحة يبدو من شكلها أنها متطورة لكني لا أعلم شيئا عنها لربما هؤلاء الجنود تلقو تداريب خاصة للتعامل مع هذه الأسلحة أما أنا فحتى بندقية صيد لم تتحسسها يدي تقدم أحد الضباط صفوف الجنود وصرنا با تجاه شوارع المدينة التي تحيلك على الكأبة فقد كسرت نوافدها وتحول لون أغلبها إلى الأسود بسبب الدخان وبعضها على وشك السقوط اخترقنا أحد الشوارع الهادئة لكنه كان الهدوؤ الدي يسبق العاصفة ولما تجاوزناه وصلنا إلى ساحة كبيرة يملئها الدخان المتصاعد من بعض الأليات العسكرية التي تحترق وعدد كبير من الجنود يتبادلون إطلاق النار مع مجموعات مسلحة فبمجرد ما رأنا قائدهم رفع سماعة هاتفه الاسلكي وقال:
_من القائد إلى جامع الوحدات انسحبوا انسحبوا لقد وصلت القوات الخاصة انسحبوا جميعا وبسرعة
بدأت القوات تنسحب بسرعة ومتا إن رشاهدوا الجنود ينسحبون حتى إنطلقت الإحتفالات عند المسلحين ظنوا انهم انتصروا لكن ما إن رأونا حتى أصيبوا بالدهول لكنهم أعدوا أنفسهم للمعركة من جديد أمر قائد القوات الخاصة أن تتقدم مجموعة من الجنود نحوهم يحملون دروعا تبدوا أنها مصنوعة من معدن خفيف لن يقاوم رصصاتهم سارعوا لصدهم بوابل من الرصاص والزجاجات الحارقة لكن دلك لم يأثر في الدروع ولو بخدوش أصيبوا برتباك فطلب القائد من الجميع أن يطلق النار بعد أن يطلق هو طلقة بسلاح كان لديه أطلقها نحوه ولما سقطت أمامهم انفجرت مصدرة صوتا قويا بعثر تركيزهم اصبت بالذهول لهذه التقنيات العسكرية الجديد التي يمتلكونها،بعد ذلك صرخ القائد أمرا إيانا بإطلاق النار فانطلقت النيران من هده الأسلحة الغريبة من دون توقف حتى صارت الرؤية صعبة بسبب الدخان وبعد ان توقفنا أمرنا بالتقدم إلى مكانهم وعندما وصلنا كانت مجزرة بحق فقط جثث في كل مكان والنار لا زالت تلتهمها بدأوا يفرحون بالمجزرة التي ارتكبوها،جاءتنا أوامر من القائد تطلب من البقاء وعدم الإنسحاب وبعد نصف ساعة بدأت أليات القوات العادية تعود لمواقعها فاستبشرت خيرا لأنني ضننت أننا سننسحب لكن الخبر السيء جاء من القائد الذي أخبرنا أننا سنطارد المتمردين داخل شوارع المدينة قسمنا إلى عدة مجموعات ووضع على رأس كل مجموعة قائدا ولكن للأس...
_أريد أن أسألك قبل أن تكمل أاطلقت النار أنت أيضا عليهم ؟ألم تحس بالجوع ولا بالعطش ألم يحز في نفسك منظر هؤلاء المساكين وهم يقتلون؟ ومادا عن صديقك؟
_لا لم أطلق النار عليهم أما الجوع والعطش فكنت سأتحدث عنهم لكنك متسرع أما بخصوصهم فلم أستطع ان أفعل شيء لهم ولكني على كل حال لم أكمل حكي فلماذا تقاطعني؟
_أعتذر مرة أخرى أكمل أكمل فيبدوا أن هناك المزيد من التشويق.
_قلت ولكن للأ سف الصديق الذي كان معي كان في مجموعة أخرى
،بدأت
المجموعات تتجه تباعا إلى مواقعها أما نحن توجهنا إلى مكان من المدينة أزقتها ضيقة
وبمجرد توغلنا بها اكتشفناالصعوبة التي سنواجهها لكون الأزقة تشبه متاهات كبيرة
تغلنا بإحداها مايقارب المئتين متر فلم نشتم سوى رائحة
الموت ولم نسمع إلا وقع أقدامنا التي تدوس على الإسفلت الزج بسبب الرطوبة وأكثر الأشياء التي أزعجتني هي قلة اللإضاءة فالشمس لا تعرف طريقا لهذه الأزقة بسبب تقارب منازلها فجأة أمرنا القائد بالتوقف والإستعداد ووضع على الأرض جهازا لا يتعدى حجمه حاسوبا محمولا من الحجم الصغير وضغط زرا فضهرت فشاشته إحداثيات حمله بيده ووجهه باتجاه احدى المنازل فبدأ يصدر صوت إنذار حاد مباشرة أمر القائد بأن نضغط على زر أحمر يوجد بأسلحتنا وأن نطلق النار وما إن أكمل كلام حتى الكان المنزل قد تلقى مئات من الطلقات لم نكمل الدقيقة حتى أشار لنا بأن نتوقف ونتارجع ولكن الغريب في الأمر أن المنزل بدى عاديا ولم يحدث له شيء تراجعنا بضعة أمتار للخلف فجأة سوي المنزل باالأرض في طرف عين مخلفا عاصفة من الغبار تقدم القائد وصعد على الركام وانفجر ضاحك وهو يقول:(تحت هذه الأنقاذ يوجم ما يقارب المئة كلب...وهذا الجهاز يعتبر من أحدث رداراتننا فو يكشف أي شيء ...)سألت أحد الجنود الواقفين أمامي عن ما يقصد بالكلاب وكانت إجابة قاسية وببرودة إنهم المتمردين ياغبي،ففي هذه الأثناء ازدادت الرؤيا صعوبة بسبب بداية حلول الضلام فاشتغلت بعض مصابيح الشارع الغير مكسرة أو التالفة بقينا ننتضر الأوامر،وبعد وقت من الإنتضار وصلت القائد رسالة تأمره بالتوغل أكثر لأن المتمردين ينشطون باليل أكثر من النهار لكي يقوموا بعمليات تهريب الطعام والأسلحة لكن وحسب ماعلمت أنهم يفقدون عددا كبيرا من رجالهم في هذه العمليات،ونحن نتوغل في هذه الشوارع الموحشة سطع خلفنا وكاما اقترب كلما على صوت المحركات المصاحبة له التفتنا جميعا لنعرف من يكون خلف هذه الأضواء ولما أصبح أمامنا عرفنا أنه صادر عن مركبات تحمل التعزيزات التي طلبها القائد وبدأ ينزل من الشاحنات الجنود الأليين الدين كنت معهم عندما قدمنا إلى هنا وقفوا أمام عدة منازل ملتصقة مع بعضها البعض حددوا أحد المنازل لكي يدخلوه فجأة ضهر شخص بدأ يحطم المصابيح مسببا فوضى في المجموعة فبدأ إطلاق النار من كل اتجاه فلم أعد أعرف مايحدث في هذه الضلمة فشغل الجنود جهازا أنار الشارع بشعاع ساطع جعلالمهاجمين مباشرة تحت نيرانينا لكن القائد لم يأمرنا بإطلاق النار بل أطلق طلقة من سلاحه الخاص أصدرت غازا أحاط بهم وبعد أن تبخر كانوا قد أصبحوا جثثا هامدة لكن الأمر الدي بدا لي غريبا هو الرصاصات التي أطلقت نحونا ولم يصب أي منا لكن جاء الجواب من القائد بسرعة:
_هل رأيتم مدى قوة دفاعتنا فهدا الجهاز الذي يصدر قبة مغنطسية تحمي من كل أنواع الأسلحة أما الأن فالبسوا هذا اللباس الخاص الدي سأعطيكم إياه سوف ندخل في جحورهم.
ما إن انتهى حتى امتلكني الخوف من أصابيع قدمي حتى خصال شعري فأنا لم أدخل كهفا في حياتي فأنا معتاد على الأرض الواسعة،وزعت علينا ملابس سوداء تشبه ملابس الإطفائيين ونضارات وجهاز يشبه الساعة اليدوية به زر طلبوا منا أن نضغطه عندما ندخل المنزل،لبسنا الألبسة ودخلنا تباعا المنزل في الأول لم أرى سوى الضلام يلتهم الضلام لكن عندما شغلت الزر أصبح المنزل مضأ كأن المصابيح غرست في أرضه وثبتت على جدرانه وعلقت في سقفه ولكن في الحقيقة المنزل بقي مضلما والسر في النضارات التي نرتديها،تراجعت قليلا لأرى المنزل من الداخل لكن حالته لا تختلف كثيرا عن حالته من الخارج جدران سوداء أخشاب متفحمة على الأرضية ربما كانت في يوم من الأيام طاولة يجتمع عليها للأكل أو كنبة كانت تمنح صاحبها قليلا من الراحة أثار انتباهي صورة معلقة على الجدار لا يضهر منها إلى الإطار مسحت زجاجها من الغبار فضهر في الصورة عدة أشخاص في حالة من السعادة يبدوا أنهم من أسرة واحدة فتسألت ونفسي عن كيفية نجاة الصورة منهم وهم لا يتركون وراءهم حتى الجماد فجاءة اخترق أذني صوت القائد يأمرنا بالتحرك تركت الصور في مكانها وأسرعت فوجدت أن الجنود
الأليين وجدو ممرا تحت أرضية المنزل فبدأنا ننزل واحدا تلوى الأخر وعندما حان دوري كان ما رأته عيني تحت الأرض مخالفا لما رأته فوقها كنت أضن أن ما يسمونه بالجحور يستحق ذلك لكن الإتقان والدقة التي شيدت به هذه الأنفاق يضاهي عمل الآلات صرخ الجميع فرحا بهدا الإنجاز فهم وجدوا ما يبحثون عنه مند سنوات فأخد القائد جهازه الاسلكي وخاطب القيادة:
_من قائد الوحدة العاشرة إلى القيادة لقد وجدنا الطريق المؤدي إلى مخبأهم سنرسل لكم الإحداثيات خلال عشرة دقائق.
حينها علمت أنهم يدبرون لارتكاب مجزرة في حقهم وبدأت أفكر كيف أساعدهم فتدكرت الجهاز الدي عند القائد والذي عن طريقه يحدد الإحداثيات ولكني لا أستطيع أن أفجره لأن حياتي ستكون على المحك بدأ الجهاز يشتغل والوقت يمر بسرعة أنتضرت فرصة تأتي لأحسن استغلالها وذلك ما حصل تعرضنا لهجوم منهم وبدأ إطلاق النار وجهت سلاحي نحوى الجهاز مباشرة وأطلقت رصاصات كانت كفيلة بتعطيله فتعطلت قبة المغناطيس لتسمح برصاصاتهم أن تمر أمامنا فوجهت طلاقات للسقف فانهار قاطعا طريق العودة وواضعا حدا فاصلا بيننا والمهاجمين ولما انتهى هدا صرخ القائد:
_أحد منا أطلق النار من الداخل لأن قبة الحماية لا تسمح بمرور رصاصاتهم وعندما خرب الجهاز تعطلت جميع الأنضمة التي يتحكم بها وهذه الألبسة لن تصمد طويلا والأسواء من هذا كله أننا لا يمكننا الإتصال بالقاعدة لنخبرهم بالمكان الذي نحن فيه وحتى هؤلاء الجنود أصبحوا خردة فقط...
أما أنا إستغللت الفرصة وتقدمت نحوى الأمام لكي لا أكشف، تابعت المسير في النفق الطويل فتارة أجري وتارة أخرى أجلس لأرتاح وبعد وقت طويل من التقدم ضهر لي مخرج النفق أسرعت لكي أعانق الحرية لكن عندما خرجت وجدت نفسي أمام ساحة كبيرة لكنها مغطاة بأطنان من الصخور وعندما بحثت عن مخرج وجدت مئات من الأنفاق الصغيرة اخترت واحدا اعتباطا ودخلته لكن هذه المرة كان علي أن أسير زاحفا على يدي وقدماي لم أتحرك به سوى مسافة صغيرة لأنه كان مغلق عدت أدراجي ولما كنت أهم بالخروج منه سمعت صراخا فجمدت في مكاني مختبئا لأرى ما سيحدث نضرت بحذر فكانت المفجأة لقد كانوا مجموعة من الجنود قد وجدوا هذا المكان ومعهم ثلاثة أطفال مكبلين،أخد جندي أحدهم فوجه ركلة إليه سقط على إثرها أرضا وشرع في الصراخ،ثم أمسك بالثاني نضر له قائلا
_أخبرني أين المدخل وإلا ستقتلون بدون رحمة؟
لم يجبه الطفل بأي كلمة رغم أنه تلقى ضربات قوية ما كنت لأتحملها أنا وذلك ما فعله مع الثالت لكن دون جدوى أبهرني ذلك فقلت إذ كان الصغار هكذا كيف سيكون الكبار وأذهلني قسوة الجنود فتسألت كيف سيكون الرؤساء الكبار،بقوا على هذا الحال إلى أن اتفقوا على قتلهم فوجهوا أسلحتهم نحوهم لكنني لم أقدر أن أرى ذلك المشهد فحملت السلاح الدي كان معي متغلبا على خوفي وخرجت فتقدمت نحوهم متظاهرا بأني كنت أسيرا عندهم :
_سيدي لقد فررت منهم ولقد عرفت المدخل والمخرج إلى هنا.
ضهر على وجههم السرور بعد أن سمعوا دلك فقال لي قائدهم :
_أحسنت أيها الجندي إذن هيا فلنذهب يا جنود.
_سيدي لا تقتل هؤلاء الأطفال سنحتاجهم كرهائن.
وافق على الأمر ثم طلبت منهم أن يتبعونني لقد شككت فكون الكهف يحتوي على مدخل سري دخل الطفلان ثم أنا وتبعنا البقية همست لطفلين بكون أريد مساعدتهما وأن يستمرا في التقدم عند سماع إطلاق النار استجمعت قواي ووضعت يدي على السلاح واستدرت مطلقا النار على الدين خلفي ثم تبعت الأطفال زاحفا بسرعة وقلبي يخفق بقوة فكم من رصاصة مرت بجانبي لما وصلنا إلى نهاية المدخل المغلقة نطق الطفلان جملة غريبة ففتح باب دائري في الأرض وسقطا فيه تبعتهم وعند سقوطي بها لم أعد أرى شيئا لكن كنت أحس أنني أسقط في مكان عميق ففقدت وعي.
ولما استعدته لم أصدق نفسي حينما وجدت نفسي في مكان واسع تنمو أرضه زهور جميلة وتحيط به أشجار التفاح ويملئه صوت الطيور المغردة،وقفت زكان الجوع والعطش قد إستنزف الكثير من قوتي فسددت جوعي من تفاح الأشجار الوارفة بدأت أتجول بالمكان فسمعت صوت بط يأتي من خلف الربوة فجريت لأستطلع الأمر ولما صعدتها سقط بصري على نهر مياهه زرقاء تفيض بالحياة طيور وأسماك فجريت نحوه وشربت من مائه وغسلت وجهي بهذه المياه المنعشة وفي هذه الأثناء مالت الشمس للغروب وانعكست أشعتها على المياه فبدت كأنه ذهب سائل كل هذه المناظر سحرتني وأخدت عقلي وقلبي لقد جعلتني أحس براحة لم أحس بها من قبل بحثت عن مكان لأقضي به الليلة وسرعان ما لفتتني صخرة ضخمة تطل على النهر صعدتها مفترشا أرضها وملتحفا السماء شعرت بالوحدة لكن سرعان ما ضهر العزيز على قلبي الذي أحب أن أسميه نور الليل إنه القمر ببياضه الذي ملئ نوره الصافي الوادي منعكسا على صخوره التي بدت كقلاع شامخة مشيدة باتقان فاخترق صوت خرير الماء الممتجز بحفيف أوراق الأشجار أذني أما الضفادع فا ختلطت أصواتها مع صوت البوم وخشخشة الفئران لتشكل أعضم سمفونية طبيعة فرأيت الأشباح متحالفة مع الأرواح وهيا ترقص وتفرح فنمت على هذه الإيقاعات نوما لم أنم مثله من قبل وأضن أنني لن أنام مثله من بعد.
_هيا نتبع هذا الطريق واحكي لي ما تبقى من القصة على طوله.
_ولماذا نتبع هذا الطريق وهل نعلم إلى أين يؤدي؟
_هيا فلنتبعه فربما نصل إلى هذه المدينة فربما قد تكون على طريقنا ونحن لنم نراها وعلى كل حال لقد تعبت من الجلوس وعلى ما يبدوا لي أن قصتك لا زالت طويلة .
_أخبرني أنت ما مشكلتك ولما أنت هنا من الأصل هيا أخبرني مما تعاني؟
_وهل يوجد هنا إلا الدين يعانون من مشكلة ما ؟
_أنت تجيب عن سؤالي بسؤال فيا لك من مراوغ.
_اسمع إنني لا أعرف كيف وصلت إلى هنا والمهم أنني هنا لهذا علي أن أتعامل مع المرحلة.
_وهل نضن أنك إن تبعت طريقا وجدته أمامك وسرت عليه ستجد عند نهايته ما يسرك؟
صمت برهة ثم جلست في نفس المكان وطلبت منه أن يتمم كلامه لأنه استطاع إقناعي
_ عليك أن تصبر وأن تركز وعليك أن تعلم أن ما أحكيه لك ليس قصة وإنما شهادة ونقل لما رأت عيناي،لكن على كل حال سأكمل لك:
استيقظت في صباح اليوم التالي وكنت قد استعدت نشاطي البدني والفكري وتحركت أسئلتي ما هدا المكان وأين يقع؟وماذا حل بالأطفال والمنازل؟لكن هذه المرة قررت أن أبحث عنه بنفسي فنهضت وتبعت ضفة النهر وأنا أسير التقطت أذني صوت إنسان ضننت في الأول أنها وهم لكن عندما أصغيت جيدا تأكدت أنها حقا تعود لإنسان تبعت مصدر الصوت فكان علي أن أتوغل بين الأشجار ولما وصلت إلى مكان مكشوف وسط هذه الأشجار كان أصحاب الصوت مجموعة من الأطفال يلعبون ويمرحون مع كلب صغير الذي سرعان ما لتقطني بحاسة شمه الحادة وبدأ ينبح بقوة فجعل الأطفال من الحجارة سلاحا لهم بعد أن ارتابوا في أمر الكب فلم أجد بد لي من الخروج قبل أن يأتون هم ويكشفونني ولكن ما زاد من تعقد الأمر هو اللباس العسكري الذي كنت لا أزال ألبسه فبدأت الحجارة تأتي من كل حدب وصوب فقط اختبائي خلف شجرة هو الذي أنقد ني من بأسها ومن حسن حضي أن أحد الأطفال طلب منهم التوقف:
_توقفوا جميعا إنه الشخص الذي أنقذنا من الأشرار لا تأذوه.
تقدم نحوي دون أي تردد وسألني:
_كيف وصلت إلى هنا يا رجل ؟
_لقد تبعتكم حين فتح داك الممر لقد خفت من أن يقتلونني.
_لقد قلقت على سلامتك،شكرا كثيرا على ما فعلته من أجلنا و لكي لا أنسى عليك البقاء هنا سوف تجد كل ما تحتاجه للحياة في هدا النهر ولا تتجاوز تلك الهضبة حتى لا يراك الكبار ويقتلونك،أما أنا سأطلب من أصدقائي كتمان السر.أكمل كلامه وبدأ يبتعد لكنني نديته
_لكن أين أنا وما هذا المكان ومن تكنون و...؟
_جوابك ليس لدينا فنحن لا نعرف شيئا قبل بلوغ سن الرشد لكن ما أستطيع أن أقول لك هو أنك في أمان هنا على الأقل من الأشرار.
ثم عاد إلى رفاقه وجروا إلى أن غابوا عن أنضاري أما أنا فا احترت في أمري فلا جواب لدي على ما أنا فيه أكملت التجول بالمكان فأحسست ببعض الحر فجلست أرتاح تحت ضل شجرة ولما رفعت عيني للسماء رأيت سحابة سوداء تتجه نحو الوادي وما هي إلى دقائق حتى بدأ الغيث يصل الوادي با استمرار فطمأنني ذلك فعلى الأقل هذا المكان عادي يخضع لقوانين العالم العادي،لجأت لكهف لكي أحتمي من المطر وبينما كنت أنتظر توقف المطر سمعت صوت محرك يأتي من السماء فلما استطلعت الأمر كانت طائرة مروحية تعود للجيش فا استغربت كيف كأنهم يحلقون فوق المنطقة ولا ينزلون بها وازداد قلقي حينما أصبحت تحلق على ارتفاع المائة متر تقريبا فجأة فقدت توازنها لكنها لم تسقط رغم أنها في حالة غير متوازنة فاكتشفت أن المنطقة محمية بحقل مغناطيسي ضلت على تلك الحال لمدة طويلة فجأة فتح بابها وقفز الطيار فسقط على شجرة متشعبة لم أعرف اسمها ثم سقط أرضا بعد ذلك مباشرة انفجرت المروحية فانطلق صوت الإنذار جريت بسرعة لأحمل الطيار للكهف فعلى كل حال يبقى إنسانا رغم ما يرتكبوه من جرائم حملته لداخل الكهف واختبأت وسرت أتطلع لما سيحدث وما هي إلا لحظات حتى امتلئ المكان برجال مسلحين يبحثون في كل مكان فسمعت قائده يقول:
_لقد علقت طائرة با قبة الدفاع وانفجرت لهذا علينا أن نبحث جيدا فربما قد تسلل أحدهم .______بحثوا كثيرا ولما لم يجيدوا شيئا رحلوا لكن ما أثار استغرابي هو عدم بحثهم داخل الكهف فربما قد وقف الحظ إلى جانبنا،قضينا الليلة في الكهف وفي الصباح استيقظت على سلاح موجه نحوي كان الطيار الذي ساعدته وقد استعاد قوته:
_انهض يا غبي من تكون وأين أنا بسرعة أجبني عن أسئلتي حالا
_أنا تائه إني واحد منكم ألا ترى اللباس و أنا من أنقدتك.
_كان بوسعي أن أشكرك لكن نحن لا نعترف بشيء يسمى الشكر.
خرج من الكهف وتوجه نحو العشب وبدأ يبحث عن شيء ما تبعته بسرعة وسألته؟
_أتبحث عن شيء ما؟ هل أساعدك؟
_إليك عني يا رجل فأنا في حالة لا تسمح لي بالإجابة عن الأسئلة.
فجأة التقط من الأرض جهازا صغيرا وضعه في أذنه وحاول ربط الإتصال بالقاعدة لكنه لم ينجح وذلك ما تمنيته استغلت الفرصة وسألته:
_ماذا حصل لك عندما كنت تقود المروحية ؟
_كنا أبحث عن مجموعة من الجنود اختفوا لكن فجأة فقدت السيطرة على المروحية.
_أخبرني عن ما كان يظهر لك من فوق؟
_هذا ما كنت سأستفسر عنه فمن الأعلى لا يظهر إلا الأرض الفلاة الممتلئة بالصخور ولما وطئت قدماي الأرض وجدت جنة على الأرض.ولكن أنت كيف وصلت إلى هنا؟
سكتت ولم أعرف بما أجيبه وبدأ ينظر لي نظرة المتلهف لسماع جوابي أحسست بنوع من الدهشة وغرست بصري أرضا منتظرا ما سيحدث ولم ينقدني من هذا الموقف إلا أصوات مرتفعة تأتي من وراء تل صخري كان أمامنا فدفعنا فضولنا لصعوده ولما أصبحنا في قمته كان نضرا مذهلا مئات من الرجال الملثمين ملئوا أرضا معشوشبة ويصوبون على أهداف لم أستطع ما هي لأنها ضعت على مسافة بعيدة وأنا في حالة من التركيز انفجر صوت أمامي كأنه هزيم الرعد لقد كان الطيار واندفع نحوهم وهو يصيح بأعلى صوته(أتتدربون من أجل قتالنا سوف ترون مني ما لن تنسوه)وما هي إلى ثوان حتى صار أمامهم وجه لوجه وهو لا يحمل أي سلاح حينها تبين لي أنه توجه لمقابلة الموت وعيناه مفتوحة تراجعت قليلا متواريا وراء الصخر منتظرا ما سيحدث ثم سمعت صوت قائدهم يأمرهم بإطلاق النار وما إن أكمل كلامه حتى ملئ صوت طلقات النار المكان فلم يعد يعلو صوتا صوته وبعد أن انقطع الصوت رفعت رأسي بعد سنتيمترات لأرى ما ذا حل به لكن كان الغبار مازال يغطي المكان بسبب كثافة الطلقات التي تعرض لها وبعد أن رقد الغبار رأيت جثة وقد غرقت في بركة من الدماء فجمد الدم في عروقي ولم أستطع أن أبتلع ريقي وبقيت في مكاني كأنني صخرة لم تبرح مكانها قرونا من الزمن لكن غريزتي وحبي للحياة جعلني أبتعد من المكان فلن ألوم نفسي إن كان لي هذا الشعور فغريزتنا كان لها الدور الأكبر في بقاء البشرية وأنا كذلك جزء من هذه البشرية نزلت التل وركنت للكهف لأنني كنت اعلم أنهم سيبحثون في المكان للتأكد من عدم وجود آخرين وذلك ما حدث ففي وقت قصير كانوا قد وضعوا حراسة على المكان كله فلما رأيت ذلك تأكدت أنني سأعاني من عدة مشاكل بسبب هذا الحصار الجوع والعطش.لكن استمررت في التخفي منتظرا حلول الليل،وأنا داخل الكهف شعرت بهواء يأتي من المدخل عرفت من برودته أن المطر سيزورنا وبعد ساعات بدأ الظلام يطرد ضوء النهار تقدمت نحو المخرج...
فأحسست بقطرات مطر باردة قد سقطت لأسي ثم تلتها قطرات أخرى فجأة أصبح الجو متقلبا فرياح عاصفة تتمايل على إثرها الأشجار يمينا ويسارا ومن قوة العاصفة ترك الحراس المكان وكان أحدهم قد وضع ملابسه على إحدى الأشجار لتجف بعد أن ابتلت لسبب ما قبل هطول المطر فحملتها الرياح ولعبت بها في السماء قليلا قبل أن تتركها على باب الكهف شكرت الله على رحمته ففي هذه الأمطار نجاة لي من مخالب العطش التي يقتل بها ولا يرحم من وجده بلا ماء وفي هذه الرياح خير فبهاده الملابس التي حملتها لي فرصة لمخلطتهم والتعرف عليم أكثر .حملت الملابس إلى الداخل ونمت ملئ جفوني.
في صباح اليوم التالي كانت قد جفت فألبستها وصرت أنتظر الفرصة لأختلط بهم خرجت من الكهف ونضرت من كل الجهات ولما شعرت بالأمان صعدت التل فكانوا هناك واقفين نزلت نحوهم ببطء حتى ليشعروا بوجودي فجأة وجدت نفسي بينهم ننضر إلى القائد الذي كان يعلو صخرة أسطوانية يبدوا عليها أنها قد وضعت هناك بعناية فخاطبنا قائلا:(اذهبوا لترتاحوا قبل الاجتماع مع المهم مع الثائر الأكبر)ثم نزل من الصخرة وبدأت الحشود تتحرك لم أجد إلى أن أتبعهم،توغلنا في ممر وسط أعشاب كثيفة ونزلنا بعض المنحدرات وصعدنا هضابا وبعد أن صرنا في قمتها لاح لي في أرض واسعة ومكشوفة منازل مشيدة بإتقان ورجال في أراض واسعة يزرعون أرضا وأطفال يلعبون مررنا بالقرب من المنازل إلا أن تجاوزناها وخرجنا من باب يتوسط سورا يحيط بالمكان فانتقالنا عبر غابة صغيرة إلى أن وصلنا إلى مخيم أقيم على أرض مكشوفة وسط هذه الغابة ورفع عليه علم أبيض وقفت قليلا لأتأمله إلى أن أحسست يد تدفعني لأتحرك ولما صرنا داخله انقسم الجمع إلى مجموعات صغيرة توجهت كل واحدة لخيمة فتبعت إحدى المجموعات ودخلنا إلى خيمة تتوسط بقية الخيام ونزعوا ألثمتهم فتفرست في وجوههم فكانوا عاديين يفيض الطموح من عيونهم المشرقة فكنت أنتظر أن أرى أناس غير هؤلاء ثم أخد كل واحد منهم مكانا له ليرتاح فيه وذاك ما قمت به فالتعب أخد من مأخذا عظيما فتكلم أحدهم:(أظنها بوادر حرب جديدة تلوح في الأفق)وأجابه شخص أخر:(قل ثورة ضد المجرمين القتلة...). أما أنا فقد غلبني النعاس ونمت نوما عميقا.
استيقظت على صوت مرتفع يأمرنا بالخروج للساحة للسماع كلمة القائد في الاجتماع قام الجميع وخرجوا من الخيمة فتبعتهم فتجاوزنا المخيم بقليل فوجدنا أنفسنا ساحة واسعة وقد جلس على أرضها ما يفوق الآلف من الرجال وقد أدى امتزاج أصوات حديثهم إلى تكوين صوت مهيب يشبه صوت هدير رمال صحراء عظيمة فجأة ساد صمت المكان ووجهت العيون إلى قادم نحو الجمع فبدأ يشق طريقه بين الرجال الجالسين إلى أن وصل إلى الوسط فكان رجلا كباقي الرجال لا يختلف عنهم إلا بلباسه الأسود وقبعته المستديرة لكنني لم أستطع رؤية ملامحه لأن وجهه كان يغطيه لثام أسود انتظرت لوقت قصير قبل أن أسمع صوته وهو يلقي التحية التي ردها عليه الجميع ثم طلب من الجمع ترديد النشيد الوطني ووقف الجميع موجهين أبصارهم نحو عمود حديدي وضع عليه علم وبدأ يرفع ثم شرعوا في ترديد كلمات لم أعرف أغلبها لكن استطعت تميز بعض الكلمات كالحرية والسلام...وبعد الانتهاء قال قائدهم بصوت مسموع :(أيها الثوار لقد صبرنا على الظلم كثيرا وقاومنا طويلا وقطعنا أشواطا كبيرة في نضالنا والآن لم يبقى إلا القليل القليل على النصر الكبير،لقد تحملنا شر المجرمين الأوباش لكن خيانة إخواننا كانت قاسية على قلوبنا لقد اعترفوا بسيادتهم ونسوا سيادتنا نعم لقد صبرنا وتحملنا ولم نمل قط لأننا وضعنا حسام الحق في أيدينا وتقدمنا والله معنا لهذا قررنا أن نعد للحرب الأخيرة لأنها مفتاح الحرية فالموت أهون علينا من الاستعباد لهذا قررنا أن نرسل مجموعة للمدينة لنشوش عليهم لكي نتمكن من إدخال بعض الأسلحة وفل يكن الله في عوننا.)
أما أنا فسألت كثيرا عن طبيعة هذا الشخص ولما يخفي وجهه بين قومه وما لم أكن أننظره هو اختياري ضمن المجموعة التي ستذهب إلى المدينة فوقعت في مفارقة غريبة فبعدما كنت مع الجنود الآن أنا مع هؤلاء الثوار.سلمت لنا أسلحة وتوجهنا نحوا بناء أسطواني كنت قد رأيته من قبل لكن لم أعر له أي انتباه فتحوا بابه فبدأنا ندخله واحدا تلوى الأخر وبعد أن أصبحنا جميع في الداخل كنا أمام بابين تبعنا المكلف بالمجوعة الذي دخل في الباب الأيمن ولما دخلت وجدت نفسي في مكان يشبه المصعد فضغط
المسئول زرا فشعرت أننا نرتفع إلى الأعلى وبعد وقت من الصعود أحسست أننا وصلنا ولما فتحنا الباب كنا قد صرنا بداخل منزل مهجور كالذي دخلناه برفقة الجنود لكنه مضاء بفضل نور ضعيف تسرب من النافذة المكسورة تقدمنا القائد وخرج من باب المنزل وتبعناه لنجد أنفسنا بمكان من المدينة فطلب قائد الفرقة أن ننقسم إلى مجموعات صغيرة وأن يكون على رأس كل مجموعة قائد وأشار بيده إلى الساعة وأخبرنا أنها الثالثة بعد الزوال وسنلتقي عند غروب الشمس أي بعد ست ساعات فانقسمنا إلى خمس مجموعات وكل واحدة تضم ستة أفراد أي أننا ثلاثين فردا تقدم ولما قررنا اختيار من يكون قائدا علينا تراجعت لأنني لا أعرف هذا *المكان فكيف أقود مجموعة وأنا أحتاج لمن يقودني تقدم أحد من الرجال وتقلد أمر القيادة من خلال صوته شككت أنني قد سبق لي أن سمعته،تقدمنا متجاوزا الشوارع ونحن خلفه إلى أن سمعنا ضحكا مرتفعا خلف سور تسلقه القائد باحتراس ونضر ثم نزل وقال.(إنهم المجرمين في حالة من الثمول فهذه لقمة سهلة لكي نسرق ملابسهم ونتنكر بها لكن علينا تدبير خطة لأنهم يتجولون بكل مكان)ونحن على هذا الحال سمعنا وقع أقدام متجه نحونا التصقنا بالسور نرى من المار فلما ظهر كان جنديان لم يرونا فوقع بصري على حزاميهما المدججان بالقنابل وذلك ما رآه القائد فباغتهما بضربة سريعة على رقبتهما فقدا على إثرها وعيهما ثم جرناهما من القنابل التي تبين لنا أنها غازية فقط ومن ملابسهما العسكرية .بعد أن حصلنا على اللباس والقنابل وجهنا اهتمامنا نحوى الجنود الثملين فرما القائد بقنبلة عليهم أفرزت غازات لم نعلم طبيعتها هل مخدرة أم قاتلة ثم انتظرنا زوالها وقفزنا من أعلى السور وأخذنا ملابسهم وأصبحنا جميعنا نتوفر على لباس خول لنا السير دون خوف من أن نكشف ونحن نسير في الشارع سمعنا صوت رصاص توجهنا لمصدره فكانت مجموعة من المجمعات محاصرة من الجنود فبدأنا نفكر في طريقة لنجدتهم لكن ما زاد الطين بلة هو قدوم دبابة لقصفهم فانضممنا إلى الجنود وكأننا نساعدهم على القتال لكن كان ذلك مجرد خذعة لكي يتسنى لفرد من المجموعة التسلسل لذبابة وذلك ما فعله فتسلل إلى داخلها القائد فأدركت أنه خبير بقيادتها وطلب من الانضمام إليه وأخذ شخص أخر مكان المدفعي أما أنا فقد أحسست بحر شديد داخلها فهذه المرة الأولى الذي أركب هذا الوحش المعدني المدمر وكنت منقطعا عما يحدث في الخارج فقط شعرت أنها تتقدم بسرعة إلى الأمام فجأة توقفت وأمر القائد من الدفعي الاستعداد فدفعني فضولي لأنضر في الشاشة الصغيرة التي ينضر لها القائد فظهر لي فقط صورة حرارية بها مجموعة من الجنود عرفت من طريقة وقوفهم أنه حاجز فنطق المدفعي(سيدي إني مستعد)فتكلم القائد(انتظر قليلا ربما يريدون مخاطبتنا بشيء)فجأة انبعث صوت من لا سلكي الذبابة(توقفوا واسلموا الذبابة قبل أن ندمرها)فيلتفت القائد للمدفعي ويسأله(هل فرت المجموعة من حصارهم؟)ويجيب(نعم يا سيدي لقد نجوا)فقال(إذن أطلق النار)فيطلق قذيفة سببت انفجارا مدمرا انمحت على إثره من الشاشة كل حركة لإنسان حي وانطلقت الذبابة بسرعة كأنها سيارة خفيفة فجأة ملئ المدينة صوت قوي يشبه الإنذار فقال القائد(إنها القوات الخاصة استعدوا)وما إن سمعت اسم القوات الخاصة حتى ارتعدت فرائسي وأحسست أن الدنيا ارتجت بقوة فأنا أعرف بأسها وكنت ضمنهم فضحك القائد ضحكة المتحدي قائلا(سوف أنصب لهم كمينا فهذه الذبابة مزودة بنظام تدمير ذاتي سوف نشغله ونهرب ولكن على أحدنا أن يبقى بها)صمت الجميع ونظر كل واحد في عيون الأخر فلما رأى القائد ذلك قال(أنا لدي الخبرة سأبقى بها لكن سيبقى معي هذا الشخص) مشيرا بسبابته نحوي فضننت أنه يمزح معي فقط لكن لم يكن ذلك مزاحا بل كان جادا حينها كنت في وضع لا أحسد عليه فالرعب أخد مني مأخذا عظيما وطلب من البقية النزول والتوجه إلى المكان الذي حدده لهم قائد الفريق الكبير ولما نزلوا ساق الذبابة نحوى مكان ضيق بإحدى الشوارع وأوقفها ثم نظر لي وابتسم قائلا:
_كيف تسير أمور مهمتك الشريفة؟
نزل كلامه علي كالصاعقة فحاولت التظاهر بالجهل عمم يتحدث
_أي مهمة ؟يا سيدي فمهمتي هنا هي مهمتك.
_لا تحاول أن تنكر فقد عرفتك يوم وضعت قدماك على هذه الأرض فأنت في أمان يا رجل.
_وكيف علمت هذا من أخبرك عني وعن مهمتي؟
لكنه تجاهل سؤالي وشغل مؤقت الذبابة صرخ في وجهي(هيا لنهرب فلدينا أقل من أربعة دقائق قبل انفجارها وقد أوشكوا على الوصول)خرجنا منها وأطلقنا ساقينا للريح مخترقينا الشوارع وعندما أصبحنا في أمان طلب مني النظر للسماء فلما رفعت عيني للسماء انطلقا خط عمودي من الأرض ثم اختفى بسرعة مخلفا وميضا أصفر فنضرت للقائد مستغربا عن هذا الضوء لكن أجابني صوت انفجار مدوي هز الأرض تحت أقدامنا وأطلق أعمدة من الدخان غطت سماء المدينة نضر لي القائد وقال(إنها من أحدث قنابلهم يسبق وميضها انفجارها وهي تستعمل ضدنا والدبابة لم تكن معد للانفجار الذاتي وإنما أنا وضعت بها القنبلة التي استوليت عليها منهم وكل ذلك لأقتل منهم عددا كبيرا ففي الأربعة دقائق كانوا قد أحاطوا بها وبالتالي قتلوا بسمهم) أصبت بالذهول من هذا الأمر وطلب مني القائد الإسراع لنلحق بالمجموعة في المكان المحدد ولما وصلنا للممر الوحيد المؤدي وجدناه محاطا بالجنود وآليات الحراسة
_ماذا سنفعل أيها القائد؟فقد هزمنا فيما يخص المراوغة.
_سوف ألهيهم وأنت أهرب.
_ولكن أنت ستتعرض للموت المحتوم.
_عليك الذهاب الآن فأنت مجرد شخص أراد أن يعلوا الحق ولا يعلى عليه فأنت أملنا الوحيد.
خرج إليهم وأطلق النار وهرب فتبعوه جميعهم فخلت لي الطريق وفررت لكنني تهت عن الطريق ودخلت إحدى الأزقة وانا خائف من وحدتي سمعت صراخ طفل اختفيت وراء جدار منزل ونضرت فكان جنديان يضربان طفلا صغير ويضحكان ضللت على تلك الحالة بضع دقائق لكنني لم أتحمل وظهرت لهما وقلت (_هيا أتركاه أيها الوحوش إنه مجرد طفل صغير.) نضرا إلي وهم مندهشين لكنهم سرعان ما انفجروا ضاحكين فاستغل الطفل انشغالهم بأمري وهرب نحوى الأزقة التي أصبحت مظلمة بعد أن مالت الشمس للغروب فلما رأيا فرار الطفل استشط غضبا وصرخ بأعلى صوته(لقد أضعت لنا لعبتنا فعليك الحلول مكانه)وتقدما نحوي بسلاحهما فاستعددت للموت وأنا أنتظر ما سيحدث انهالت عليهما كميات كبيرة من الأحجار المتواصلة استطاعت أن تدميهما وتفقدهما وعيهما فلما تطلعت مصدر الحجارة كان مجموعة من الأطفال وبرفقتهم الطفل الذي أنقدته تقدم نحوي وقال(شكرا يا سيدي على إنقاذك حياتي من هؤلاء المجرمين القتلة)وقبل أن أتكلم عاد للمجموعة وبدئوا يوجهون للجنديين ركلات قوية ثم أخذوا سلاحيهما واختفوا بالأزقة التي ظهروا منها،لم أتحرك من مكاني فقد اختلطت الأمور علي وأنا على تلك الحال رأيت رجلا ظهر من أحد الأزقة ويتقدم نحوي ولما وقف أمامي قال: (_هل أنت الذي أنقدت الطفل قبل قليل؟) ارتبكت قليلا لكن سرعان ما ضبطت نفسي وأجبته(نعم أنا الذي أنقدته)فقال(إن الرئيس يود مقابلتك فاتبعني) وسرت في إثره عبر أزقة ضيقة وكان الظلام ق سيطر على المكان بعد غروب الشمس فتوقفنا أمام منزل فتح بابه ودخل فاتبعته فصعدنا سلالم تؤدي إلى الطبق العلوي وبما صرنا بغرفة واسعة ظهر لي رجل ضخم الجثة طويل الشاربين يحمل سلاحا ويتوسط مجموعة من الرجال وقفت مكاني ولم أتقدم أكثر لكنه أشار لي بيده لكي أتقدم أكثر فتشجعت وتقدمت نحوه فنضر في عيناي نظرة حادة وقال: (_أردت أن أشكرك نيابة عن الجميع فلولاك لكان الولد ميتا رغم أنك لا تنتمي لفريقنا وإنما تنتمي لهم) فكان أول سؤال طرحته على نفسي من يقصد بهم؟نضرت إليه وكان لا زال يحدق بي وقبل أن أسأله قال لي(ما رأيك في الانضمام إلى مجموعتنا فنحن ندافع عن نفس القضية إلا أننا اختلفنا في بعض الأفكار)فعرفت من كلامه أنه يقصد الثوار وظنني واحدا منهم لكن لما هم منقسمون؟بينما عدوهم واحد؟أما هو فكان ينتظر جوابي فنضر له وقلت(أنا لست واحدا منهم أنا مجرد صحف...)وقبل أن أكمل دخل أحد الرجال وقال(سيدي إنهم يشنون هجوما ضدنا علينا التصرف)فسمعنا صوت انفجار في الخارج
فطلب القائد من الجميع أخد مكانه وبعد وقت قصير دخل رجل مسلح وقال(سيدي لقد حصرنا من كل مكان) وسأله القائد(كم عددهم؟)فأجابه(عددهم يفوقون بكثير)فجأة دوى صوت انفجار أمام المبنى وبدأ إطلاق النار بشكل متواصل وبعد ذلك مباشرة فجر الباب ودخل مئات من الجنود وقبضوا علينا جميعا وسيطر علي ضنك شديد لأنها المرة الأولى التي أقع في يدهم فخفت أن أموت قبل أن أنقل ما رأت عيناي عملنا بعنف ونحن نغادر المنزل ففي الخارج ظهرت قوة المعارك التي دارت بالخارج ساقونا لسيارة معدة لحمل السجناء وأغلق علينا الباب الفولاذي وبدأت أحس أنها تتحرك وكلما مر الوقت تسألت عن مصيرنا وأين سينهي بنا المطاف فلم يقضني من تيه أفكاري سوى انفجار قوي تبعه إطلاق نار وفتح باب السيارة فكان مجموعة الملثمين طلبوا مني أن أتبعهم ولما خرجت كانت أغلب السيارات المكونة للمجموعة تحترق مررنا عبر الأزقة بسرعة خاطفة إلا أن دخلنا منزلا فتح بأرضيته سلم ينزل تحت الأرض فنزلت معهم وسلكنا عدة أنفاق ولما وصلنا إلى غرفة صغيرة لا يوجد بها أي نافدة ولا أي مخرج من غير الذي دخلنا منه أخرجوا عصابة وضعوها على عيني وقادوني إلا حيث لا أعلم ولما أحسست أننا في مكان أوسع وضعوا على أنفي منديلا به رائحة قوية ولما استنشقتها فقدت وعي وعندما استعدته وجدت نفسي خارج أسوار المدينة ومنذ داك الحين وأنا أحاول إقناع الناس بقصة المدينة لكن لا أحد يصدقني.فهل صدقتني؟
نضرت إليه طويلا وقلت) بطبيعة الحال لن يصدقوك ولو كنت ما قلته حقيقة صدقتك ولدي الحل لندخل المدينة.)
_ولكن ما هو هذا الحل وأنا مند وقت طويل أبحث كيف أدخلها دون جدوى.
فطلبت منه أن يفعل مثلي فقط وأغمضنا أعيننا ثم تمنينا أن نصير داخل المدينة ولما فتحنا أعيننا كنا داخلها ولكن كل شيء هادئ لا يوجد أي أثر للعنف والدمار وشرعنا نتجول بالشوارع فصادفنا شخصا توجهنا نحوه وقلت له:
_أريد أن أسألك عن هذه المدينة فهل قادر على إجابتنا؟
_اسأل فأنا أحب أن أجيب عن الأسئلة المتعلقة بهذه المدينة.
_في أخر مرة كان فيها رفيقي هذا هنا قال لي أنها كانت عبارة عن ساحة حرب.فماذا حصل؟
_هنا حصل كل شيء حصل ما لم يحصل منذ قرون عدة هنا وفي يوم من الأيام استيقظ الحق وحارب الاستبداد.
_ولكن كيف حدث هذا ؟ومن انتصر في الأخير؟
_كيف حدث أعرف جوابها لكن من انتصر في الأخير لا أستطيع أن أجزم لأن المعركة بينهما لم تتوقف يوما ولا أضنها ستفعل.ولكن ما حدث هنا له علاقة بما مع جيراننا الدين تخلفوا عن دعمنا ورعوا مصالحهم ولكي أحدد أكثر زعماء جيراننا فجيراننا لم يختلفوا عنا إلا بكوننا تحت استبداد خارجي وهم تحت استبداد داخلي ،ثاروا ضد هذا الاستبداد وأسقطوه ثم هبوا وتقاطروا من كل الجهات لمساعدتنا وحاصروا المحتل الذي وجد نفسه محرجا لأن الضمائر قد استيقظت ولن يقد من الآن على فعل ما يشاء
وبعد أن عرف أن القوة لم تعد السلاح المناسب لجأ إلى لعب أحر أوراقه وهي ورقة الخداع والتحايل،لقد انسحب من مدينتنا وسمح لجيراننا بالدخول وحتى يظهر نيته الصادقة في السلم ساعدنا على إصلاح ما دمرته سنوات الحرب .
_هذا أمر جيد فقد عوض عن ما دمره ويريد مصادقتكم.
_ هذا يبدوا جيد لكن وفي الحقيقة كان مجرد ذر الرماد في العيون وانسحابه ما هو إلا تمهيد لنوع جديد من الاستعمار،صحيح سحب قوته وأوقف القتل والاستغلال المباشر لكن وللأسف جعلنا نسخا طبق الأصل عنه وفي الجانب السلبي فقط مرر لنا كل ما يضرنا ومنع عنا ما ينفعنا.لقد قتل فينا روح الابتكار والتجديد اغتال هويتنا وسرق من أحلامنا فعندما كنا تحت رحمة آلات قتله كنا نقاوم ونموت رجالا كما نحن أما الآن أصبحنا كزهور اصطناعية لدينا الشكل والمظهر لكن دون روح،فالزهور الطبيعية تقوم بعدة أدوار ففي مظهرها سحر للعين وفي رائحتها طيب للنفس وجذورها وأوراقها طعام للحيوانات وإن اقتلعتها من تربتها ووضعتها في مزهرية لن ترضى بذلك وتفضل الذبول على العيش في بيئة بعيدة عن بيئتها والقيام بدور ليس بدورها وحتى إن أحرقتها فلن ينتج عنها سوى رماد طبيعي وإن ذبلت ورميت في التربة فلن تأبى إلى أن تعود لأصلها والاندماج في التربة التي كانت تغذيها .لكن الزهور الاصطناعية هي مجرد نسخ مقلدة ولا تستطيع القيام بما تقوم به الأصلية ما تقوم به هو سحر العيون وتقبل العيش في إي مكان ولو كانت مزبلة إن أحرقت فلن ينتج عنها إلى رائحة كريهة ومؤدية وفي حالة رميها في التربة فستقاوم إرادة الطبيعة لمئات من السنين.هكذا حولنا إلى هياكل دون روح .اتبعوني لأريكم بعض الأشياء. تبعناه ومررنا عبر شوارع خالية فسألته :
_ هل تعرف سبب خلو هذه الشوارع من الحياة؟
_ هذه الشوارع في الأمس القريب كانت ممتلئة وكان يمر هنا الفقر بجوار الأخلاق والصدق والخير بجوار الحرمان.
_وما الذي حصل للناس؟
_لا تسألني عن الناس ولكن اسألني عن الأمور التي تأسس عليها حياة الناس فالناس لا معنى لهم دون هذه الأمور .الخير والصدق والأخلاق.فالأخلاق اغتلناها والصدق ضل طريقه إلينا أما الخير فقد تم نفيه.وبالتالي تركنا حياتنا تخضع لسيطرة الشر والحرمان و الفقر ومنذ دلك الحين ونحن نبحث أنفسنا لننبعث من جديد لكن هذا يبدوا مستحيل.
_هذا حقا لأمر محزن فهل يمكنني أن اقدم أي مساعدة ؟؟
_نعم ساعدنا بحفاضك على قيمك وأخلاقك فهي صمام أمانك وأمان المجتمع.
_أريد أن أسألك السؤال الأخير وأرجو لو تجبني بصراحة.
_ لا مشكل إذا كان باالإمكان الإجابة عنه.
_أردت أسألك عن مكان سري كان يختفي به شعبكم بعد الإحتلال.هل تعرف عنه شيأ؟
_نعم لقد عرفت عما تتحدث فذلك المكان هو أرض عادية لكن ما هو ليس عادي هو ذلك الإغتراع الذي كان من أفضل ما توصلت إليه مجهودتنا وبحوثنا لكن للأسف تم تدميره بعد أفشى سره بعض الخونة لكن لم يحصلوا على تصميمه وأنا الوحيد الذي أحتفظ به وأخرجه من جيبه ووضعه بجيب قميصي وبدأت صورته تتلاشى شيأ فشيأ حتى اختفى وكذلك مرافقي .فجأة سمعت الأستاذ ينادي باسمي فانتفضت من مكاني .
_ما بك يا ولد هل تنام في القسم(فيضحك جميع التلاميد) أخبرنا ما الذي تعرفه عن الوعي؟
صمت لبرهة من الوقت نضرت أمامي وخلفي وقلاك
_الاوعي هو أن تجرب كل يوم طريق وان تدخل منزلا ضخما بدون أبواب ...الاوعي هو أن نحافضض على الأخلاق واااو .......
_توقف يكفي ما هذا التهريج؟ لقد أصبحت من تلميذ إلى مهرج يضحك التلاميذ .
_لا هذا عشته انا بالدات (وحكيت له عن كل شيء وهو يصغي كما حال الجميع ووقفت عند حد الورقة وأخرجتها من جيبي وتقدمت نحوه فسلمتها إليه )
تسلمها واطلع عليها فانفجر ضاحكا وما إن تذكرت أن تلك الورقة ماهي إلا ورقة كتب عليها بعض اللوازم التي علي إقتنائها حتى تجمدت في مكاني ،أعاده لي دون أن يعلم التلاميذ ما كتب عليها ودلك مازاد استغرابهم عن هذا المشهد الغريب .
_هل انتهت قصتك الغريبة ؟
_لا لا لم أتناول فطوري بعد (فانفجر القسم ضاحكا مرة أخرى ولكن في الحقيقة كنت أعني دلك لأنني سمعت هل تناولت فطورك؟
الموت ولم نسمع إلا وقع أقدامنا التي تدوس على الإسفلت الزج بسبب الرطوبة وأكثر الأشياء التي أزعجتني هي قلة اللإضاءة فالشمس لا تعرف طريقا لهذه الأزقة بسبب تقارب منازلها فجأة أمرنا القائد بالتوقف والإستعداد ووضع على الأرض جهازا لا يتعدى حجمه حاسوبا محمولا من الحجم الصغير وضغط زرا فضهرت فشاشته إحداثيات حمله بيده ووجهه باتجاه احدى المنازل فبدأ يصدر صوت إنذار حاد مباشرة أمر القائد بأن نضغط على زر أحمر يوجد بأسلحتنا وأن نطلق النار وما إن أكمل كلام حتى الكان المنزل قد تلقى مئات من الطلقات لم نكمل الدقيقة حتى أشار لنا بأن نتوقف ونتارجع ولكن الغريب في الأمر أن المنزل بدى عاديا ولم يحدث له شيء تراجعنا بضعة أمتار للخلف فجأة سوي المنزل باالأرض في طرف عين مخلفا عاصفة من الغبار تقدم القائد وصعد على الركام وانفجر ضاحك وهو يقول:(تحت هذه الأنقاذ يوجم ما يقارب المئة كلب...وهذا الجهاز يعتبر من أحدث رداراتننا فو يكشف أي شيء ...)سألت أحد الجنود الواقفين أمامي عن ما يقصد بالكلاب وكانت إجابة قاسية وببرودة إنهم المتمردين ياغبي،ففي هذه الأثناء ازدادت الرؤيا صعوبة بسبب بداية حلول الضلام فاشتغلت بعض مصابيح الشارع الغير مكسرة أو التالفة بقينا ننتضر الأوامر،وبعد وقت من الإنتضار وصلت القائد رسالة تأمره بالتوغل أكثر لأن المتمردين ينشطون باليل أكثر من النهار لكي يقوموا بعمليات تهريب الطعام والأسلحة لكن وحسب ماعلمت أنهم يفقدون عددا كبيرا من رجالهم في هذه العمليات،ونحن نتوغل في هذه الشوارع الموحشة سطع خلفنا وكاما اقترب كلما على صوت المحركات المصاحبة له التفتنا جميعا لنعرف من يكون خلف هذه الأضواء ولما أصبح أمامنا عرفنا أنه صادر عن مركبات تحمل التعزيزات التي طلبها القائد وبدأ ينزل من الشاحنات الجنود الأليين الدين كنت معهم عندما قدمنا إلى هنا وقفوا أمام عدة منازل ملتصقة مع بعضها البعض حددوا أحد المنازل لكي يدخلوه فجأة ضهر شخص بدأ يحطم المصابيح مسببا فوضى في المجموعة فبدأ إطلاق النار من كل اتجاه فلم أعد أعرف مايحدث في هذه الضلمة فشغل الجنود جهازا أنار الشارع بشعاع ساطع جعلالمهاجمين مباشرة تحت نيرانينا لكن القائد لم يأمرنا بإطلاق النار بل أطلق طلقة من سلاحه الخاص أصدرت غازا أحاط بهم وبعد أن تبخر كانوا قد أصبحوا جثثا هامدة لكن الأمر الدي بدا لي غريبا هو الرصاصات التي أطلقت نحونا ولم يصب أي منا لكن جاء الجواب من القائد بسرعة:
_هل رأيتم مدى قوة دفاعتنا فهدا الجهاز الذي يصدر قبة مغنطسية تحمي من كل أنواع الأسلحة أما الأن فالبسوا هذا اللباس الخاص الدي سأعطيكم إياه سوف ندخل في جحورهم.
ما إن انتهى حتى امتلكني الخوف من أصابيع قدمي حتى خصال شعري فأنا لم أدخل كهفا في حياتي فأنا معتاد على الأرض الواسعة،وزعت علينا ملابس سوداء تشبه ملابس الإطفائيين ونضارات وجهاز يشبه الساعة اليدوية به زر طلبوا منا أن نضغطه عندما ندخل المنزل،لبسنا الألبسة ودخلنا تباعا المنزل في الأول لم أرى سوى الضلام يلتهم الضلام لكن عندما شغلت الزر أصبح المنزل مضأ كأن المصابيح غرست في أرضه وثبتت على جدرانه وعلقت في سقفه ولكن في الحقيقة المنزل بقي مضلما والسر في النضارات التي نرتديها،تراجعت قليلا لأرى المنزل من الداخل لكن حالته لا تختلف كثيرا عن حالته من الخارج جدران سوداء أخشاب متفحمة على الأرضية ربما كانت في يوم من الأيام طاولة يجتمع عليها للأكل أو كنبة كانت تمنح صاحبها قليلا من الراحة أثار انتباهي صورة معلقة على الجدار لا يضهر منها إلى الإطار مسحت زجاجها من الغبار فضهر في الصورة عدة أشخاص في حالة من السعادة يبدوا أنهم من أسرة واحدة فتسألت ونفسي عن كيفية نجاة الصورة منهم وهم لا يتركون وراءهم حتى الجماد فجاءة اخترق أذني صوت القائد يأمرنا بالتحرك تركت الصور في مكانها وأسرعت فوجدت أن الجنود
الأليين وجدو ممرا تحت أرضية المنزل فبدأنا ننزل واحدا تلوى الأخر وعندما حان دوري كان ما رأته عيني تحت الأرض مخالفا لما رأته فوقها كنت أضن أن ما يسمونه بالجحور يستحق ذلك لكن الإتقان والدقة التي شيدت به هذه الأنفاق يضاهي عمل الآلات صرخ الجميع فرحا بهدا الإنجاز فهم وجدوا ما يبحثون عنه مند سنوات فأخد القائد جهازه الاسلكي وخاطب القيادة:
_من قائد الوحدة العاشرة إلى القيادة لقد وجدنا الطريق المؤدي إلى مخبأهم سنرسل لكم الإحداثيات خلال عشرة دقائق.
حينها علمت أنهم يدبرون لارتكاب مجزرة في حقهم وبدأت أفكر كيف أساعدهم فتدكرت الجهاز الدي عند القائد والذي عن طريقه يحدد الإحداثيات ولكني لا أستطيع أن أفجره لأن حياتي ستكون على المحك بدأ الجهاز يشتغل والوقت يمر بسرعة أنتضرت فرصة تأتي لأحسن استغلالها وذلك ما حصل تعرضنا لهجوم منهم وبدأ إطلاق النار وجهت سلاحي نحوى الجهاز مباشرة وأطلقت رصاصات كانت كفيلة بتعطيله فتعطلت قبة المغناطيس لتسمح برصاصاتهم أن تمر أمامنا فوجهت طلاقات للسقف فانهار قاطعا طريق العودة وواضعا حدا فاصلا بيننا والمهاجمين ولما انتهى هدا صرخ القائد:
_أحد منا أطلق النار من الداخل لأن قبة الحماية لا تسمح بمرور رصاصاتهم وعندما خرب الجهاز تعطلت جميع الأنضمة التي يتحكم بها وهذه الألبسة لن تصمد طويلا والأسواء من هذا كله أننا لا يمكننا الإتصال بالقاعدة لنخبرهم بالمكان الذي نحن فيه وحتى هؤلاء الجنود أصبحوا خردة فقط...
أما أنا إستغللت الفرصة وتقدمت نحوى الأمام لكي لا أكشف، تابعت المسير في النفق الطويل فتارة أجري وتارة أخرى أجلس لأرتاح وبعد وقت طويل من التقدم ضهر لي مخرج النفق أسرعت لكي أعانق الحرية لكن عندما خرجت وجدت نفسي أمام ساحة كبيرة لكنها مغطاة بأطنان من الصخور وعندما بحثت عن مخرج وجدت مئات من الأنفاق الصغيرة اخترت واحدا اعتباطا ودخلته لكن هذه المرة كان علي أن أسير زاحفا على يدي وقدماي لم أتحرك به سوى مسافة صغيرة لأنه كان مغلق عدت أدراجي ولما كنت أهم بالخروج منه سمعت صراخا فجمدت في مكاني مختبئا لأرى ما سيحدث نضرت بحذر فكانت المفجأة لقد كانوا مجموعة من الجنود قد وجدوا هذا المكان ومعهم ثلاثة أطفال مكبلين،أخد جندي أحدهم فوجه ركلة إليه سقط على إثرها أرضا وشرع في الصراخ،ثم أمسك بالثاني نضر له قائلا
_أخبرني أين المدخل وإلا ستقتلون بدون رحمة؟
لم يجبه الطفل بأي كلمة رغم أنه تلقى ضربات قوية ما كنت لأتحملها أنا وذلك ما فعله مع الثالت لكن دون جدوى أبهرني ذلك فقلت إذ كان الصغار هكذا كيف سيكون الكبار وأذهلني قسوة الجنود فتسألت كيف سيكون الرؤساء الكبار،بقوا على هذا الحال إلى أن اتفقوا على قتلهم فوجهوا أسلحتهم نحوهم لكنني لم أقدر أن أرى ذلك المشهد فحملت السلاح الدي كان معي متغلبا على خوفي وخرجت فتقدمت نحوهم متظاهرا بأني كنت أسيرا عندهم :
_سيدي لقد فررت منهم ولقد عرفت المدخل والمخرج إلى هنا.
ضهر على وجههم السرور بعد أن سمعوا دلك فقال لي قائدهم :
_أحسنت أيها الجندي إذن هيا فلنذهب يا جنود.
_سيدي لا تقتل هؤلاء الأطفال سنحتاجهم كرهائن.
وافق على الأمر ثم طلبت منهم أن يتبعونني لقد شككت فكون الكهف يحتوي على مدخل سري دخل الطفلان ثم أنا وتبعنا البقية همست لطفلين بكون أريد مساعدتهما وأن يستمرا في التقدم عند سماع إطلاق النار استجمعت قواي ووضعت يدي على السلاح واستدرت مطلقا النار على الدين خلفي ثم تبعت الأطفال زاحفا بسرعة وقلبي يخفق بقوة فكم من رصاصة مرت بجانبي لما وصلنا إلى نهاية المدخل المغلقة نطق الطفلان جملة غريبة ففتح باب دائري في الأرض وسقطا فيه تبعتهم وعند سقوطي بها لم أعد أرى شيئا لكن كنت أحس أنني أسقط في مكان عميق ففقدت وعي.
ولما استعدته لم أصدق نفسي حينما وجدت نفسي في مكان واسع تنمو أرضه زهور جميلة وتحيط به أشجار التفاح ويملئه صوت الطيور المغردة،وقفت زكان الجوع والعطش قد إستنزف الكثير من قوتي فسددت جوعي من تفاح الأشجار الوارفة بدأت أتجول بالمكان فسمعت صوت بط يأتي من خلف الربوة فجريت لأستطلع الأمر ولما صعدتها سقط بصري على نهر مياهه زرقاء تفيض بالحياة طيور وأسماك فجريت نحوه وشربت من مائه وغسلت وجهي بهذه المياه المنعشة وفي هذه الأثناء مالت الشمس للغروب وانعكست أشعتها على المياه فبدت كأنه ذهب سائل كل هذه المناظر سحرتني وأخدت عقلي وقلبي لقد جعلتني أحس براحة لم أحس بها من قبل بحثت عن مكان لأقضي به الليلة وسرعان ما لفتتني صخرة ضخمة تطل على النهر صعدتها مفترشا أرضها وملتحفا السماء شعرت بالوحدة لكن سرعان ما ضهر العزيز على قلبي الذي أحب أن أسميه نور الليل إنه القمر ببياضه الذي ملئ نوره الصافي الوادي منعكسا على صخوره التي بدت كقلاع شامخة مشيدة باتقان فاخترق صوت خرير الماء الممتجز بحفيف أوراق الأشجار أذني أما الضفادع فا ختلطت أصواتها مع صوت البوم وخشخشة الفئران لتشكل أعضم سمفونية طبيعة فرأيت الأشباح متحالفة مع الأرواح وهيا ترقص وتفرح فنمت على هذه الإيقاعات نوما لم أنم مثله من قبل وأضن أنني لن أنام مثله من بعد.
_هيا نتبع هذا الطريق واحكي لي ما تبقى من القصة على طوله.
_ولماذا نتبع هذا الطريق وهل نعلم إلى أين يؤدي؟
_هيا فلنتبعه فربما نصل إلى هذه المدينة فربما قد تكون على طريقنا ونحن لنم نراها وعلى كل حال لقد تعبت من الجلوس وعلى ما يبدوا لي أن قصتك لا زالت طويلة .
_أخبرني أنت ما مشكلتك ولما أنت هنا من الأصل هيا أخبرني مما تعاني؟
_وهل يوجد هنا إلا الدين يعانون من مشكلة ما ؟
_أنت تجيب عن سؤالي بسؤال فيا لك من مراوغ.
_اسمع إنني لا أعرف كيف وصلت إلى هنا والمهم أنني هنا لهذا علي أن أتعامل مع المرحلة.
_وهل نضن أنك إن تبعت طريقا وجدته أمامك وسرت عليه ستجد عند نهايته ما يسرك؟
صمت برهة ثم جلست في نفس المكان وطلبت منه أن يتمم كلامه لأنه استطاع إقناعي
_ عليك أن تصبر وأن تركز وعليك أن تعلم أن ما أحكيه لك ليس قصة وإنما شهادة ونقل لما رأت عيناي،لكن على كل حال سأكمل لك:
استيقظت في صباح اليوم التالي وكنت قد استعدت نشاطي البدني والفكري وتحركت أسئلتي ما هدا المكان وأين يقع؟وماذا حل بالأطفال والمنازل؟لكن هذه المرة قررت أن أبحث عنه بنفسي فنهضت وتبعت ضفة النهر وأنا أسير التقطت أذني صوت إنسان ضننت في الأول أنها وهم لكن عندما أصغيت جيدا تأكدت أنها حقا تعود لإنسان تبعت مصدر الصوت فكان علي أن أتوغل بين الأشجار ولما وصلت إلى مكان مكشوف وسط هذه الأشجار كان أصحاب الصوت مجموعة من الأطفال يلعبون ويمرحون مع كلب صغير الذي سرعان ما لتقطني بحاسة شمه الحادة وبدأ ينبح بقوة فجعل الأطفال من الحجارة سلاحا لهم بعد أن ارتابوا في أمر الكب فلم أجد بد لي من الخروج قبل أن يأتون هم ويكشفونني ولكن ما زاد من تعقد الأمر هو اللباس العسكري الذي كنت لا أزال ألبسه فبدأت الحجارة تأتي من كل حدب وصوب فقط اختبائي خلف شجرة هو الذي أنقد ني من بأسها ومن حسن حضي أن أحد الأطفال طلب منهم التوقف:
_توقفوا جميعا إنه الشخص الذي أنقذنا من الأشرار لا تأذوه.
تقدم نحوي دون أي تردد وسألني:
_كيف وصلت إلى هنا يا رجل ؟
_لقد تبعتكم حين فتح داك الممر لقد خفت من أن يقتلونني.
_لقد قلقت على سلامتك،شكرا كثيرا على ما فعلته من أجلنا و لكي لا أنسى عليك البقاء هنا سوف تجد كل ما تحتاجه للحياة في هدا النهر ولا تتجاوز تلك الهضبة حتى لا يراك الكبار ويقتلونك،أما أنا سأطلب من أصدقائي كتمان السر.أكمل كلامه وبدأ يبتعد لكنني نديته
_لكن أين أنا وما هذا المكان ومن تكنون و...؟
_جوابك ليس لدينا فنحن لا نعرف شيئا قبل بلوغ سن الرشد لكن ما أستطيع أن أقول لك هو أنك في أمان هنا على الأقل من الأشرار.
ثم عاد إلى رفاقه وجروا إلى أن غابوا عن أنضاري أما أنا فا احترت في أمري فلا جواب لدي على ما أنا فيه أكملت التجول بالمكان فأحسست ببعض الحر فجلست أرتاح تحت ضل شجرة ولما رفعت عيني للسماء رأيت سحابة سوداء تتجه نحو الوادي وما هي إلى دقائق حتى بدأ الغيث يصل الوادي با استمرار فطمأنني ذلك فعلى الأقل هذا المكان عادي يخضع لقوانين العالم العادي،لجأت لكهف لكي أحتمي من المطر وبينما كنت أنتظر توقف المطر سمعت صوت محرك يأتي من السماء فلما استطلعت الأمر كانت طائرة مروحية تعود للجيش فا استغربت كيف كأنهم يحلقون فوق المنطقة ولا ينزلون بها وازداد قلقي حينما أصبحت تحلق على ارتفاع المائة متر تقريبا فجأة فقدت توازنها لكنها لم تسقط رغم أنها في حالة غير متوازنة فاكتشفت أن المنطقة محمية بحقل مغناطيسي ضلت على تلك الحال لمدة طويلة فجأة فتح بابها وقفز الطيار فسقط على شجرة متشعبة لم أعرف اسمها ثم سقط أرضا بعد ذلك مباشرة انفجرت المروحية فانطلق صوت الإنذار جريت بسرعة لأحمل الطيار للكهف فعلى كل حال يبقى إنسانا رغم ما يرتكبوه من جرائم حملته لداخل الكهف واختبأت وسرت أتطلع لما سيحدث وما هي إلا لحظات حتى امتلئ المكان برجال مسلحين يبحثون في كل مكان فسمعت قائده يقول:
_لقد علقت طائرة با قبة الدفاع وانفجرت لهذا علينا أن نبحث جيدا فربما قد تسلل أحدهم .______بحثوا كثيرا ولما لم يجيدوا شيئا رحلوا لكن ما أثار استغرابي هو عدم بحثهم داخل الكهف فربما قد وقف الحظ إلى جانبنا،قضينا الليلة في الكهف وفي الصباح استيقظت على سلاح موجه نحوي كان الطيار الذي ساعدته وقد استعاد قوته:
_انهض يا غبي من تكون وأين أنا بسرعة أجبني عن أسئلتي حالا
_أنا تائه إني واحد منكم ألا ترى اللباس و أنا من أنقدتك.
_كان بوسعي أن أشكرك لكن نحن لا نعترف بشيء يسمى الشكر.
خرج من الكهف وتوجه نحو العشب وبدأ يبحث عن شيء ما تبعته بسرعة وسألته؟
_أتبحث عن شيء ما؟ هل أساعدك؟
_إليك عني يا رجل فأنا في حالة لا تسمح لي بالإجابة عن الأسئلة.
فجأة التقط من الأرض جهازا صغيرا وضعه في أذنه وحاول ربط الإتصال بالقاعدة لكنه لم ينجح وذلك ما تمنيته استغلت الفرصة وسألته:
_ماذا حصل لك عندما كنت تقود المروحية ؟
_كنا أبحث عن مجموعة من الجنود اختفوا لكن فجأة فقدت السيطرة على المروحية.
_أخبرني عن ما كان يظهر لك من فوق؟
_هذا ما كنت سأستفسر عنه فمن الأعلى لا يظهر إلا الأرض الفلاة الممتلئة بالصخور ولما وطئت قدماي الأرض وجدت جنة على الأرض.ولكن أنت كيف وصلت إلى هنا؟
سكتت ولم أعرف بما أجيبه وبدأ ينظر لي نظرة المتلهف لسماع جوابي أحسست بنوع من الدهشة وغرست بصري أرضا منتظرا ما سيحدث ولم ينقدني من هذا الموقف إلا أصوات مرتفعة تأتي من وراء تل صخري كان أمامنا فدفعنا فضولنا لصعوده ولما أصبحنا في قمته كان نضرا مذهلا مئات من الرجال الملثمين ملئوا أرضا معشوشبة ويصوبون على أهداف لم أستطع ما هي لأنها ضعت على مسافة بعيدة وأنا في حالة من التركيز انفجر صوت أمامي كأنه هزيم الرعد لقد كان الطيار واندفع نحوهم وهو يصيح بأعلى صوته(أتتدربون من أجل قتالنا سوف ترون مني ما لن تنسوه)وما هي إلى ثوان حتى صار أمامهم وجه لوجه وهو لا يحمل أي سلاح حينها تبين لي أنه توجه لمقابلة الموت وعيناه مفتوحة تراجعت قليلا متواريا وراء الصخر منتظرا ما سيحدث ثم سمعت صوت قائدهم يأمرهم بإطلاق النار وما إن أكمل كلامه حتى ملئ صوت طلقات النار المكان فلم يعد يعلو صوتا صوته وبعد أن انقطع الصوت رفعت رأسي بعد سنتيمترات لأرى ما ذا حل به لكن كان الغبار مازال يغطي المكان بسبب كثافة الطلقات التي تعرض لها وبعد أن رقد الغبار رأيت جثة وقد غرقت في بركة من الدماء فجمد الدم في عروقي ولم أستطع أن أبتلع ريقي وبقيت في مكاني كأنني صخرة لم تبرح مكانها قرونا من الزمن لكن غريزتي وحبي للحياة جعلني أبتعد من المكان فلن ألوم نفسي إن كان لي هذا الشعور فغريزتنا كان لها الدور الأكبر في بقاء البشرية وأنا كذلك جزء من هذه البشرية نزلت التل وركنت للكهف لأنني كنت اعلم أنهم سيبحثون في المكان للتأكد من عدم وجود آخرين وذلك ما حدث ففي وقت قصير كانوا قد وضعوا حراسة على المكان كله فلما رأيت ذلك تأكدت أنني سأعاني من عدة مشاكل بسبب هذا الحصار الجوع والعطش.لكن استمررت في التخفي منتظرا حلول الليل،وأنا داخل الكهف شعرت بهواء يأتي من المدخل عرفت من برودته أن المطر سيزورنا وبعد ساعات بدأ الظلام يطرد ضوء النهار تقدمت نحو المخرج...
فأحسست بقطرات مطر باردة قد سقطت لأسي ثم تلتها قطرات أخرى فجأة أصبح الجو متقلبا فرياح عاصفة تتمايل على إثرها الأشجار يمينا ويسارا ومن قوة العاصفة ترك الحراس المكان وكان أحدهم قد وضع ملابسه على إحدى الأشجار لتجف بعد أن ابتلت لسبب ما قبل هطول المطر فحملتها الرياح ولعبت بها في السماء قليلا قبل أن تتركها على باب الكهف شكرت الله على رحمته ففي هذه الأمطار نجاة لي من مخالب العطش التي يقتل بها ولا يرحم من وجده بلا ماء وفي هذه الرياح خير فبهاده الملابس التي حملتها لي فرصة لمخلطتهم والتعرف عليم أكثر .حملت الملابس إلى الداخل ونمت ملئ جفوني.
في صباح اليوم التالي كانت قد جفت فألبستها وصرت أنتظر الفرصة لأختلط بهم خرجت من الكهف ونضرت من كل الجهات ولما شعرت بالأمان صعدت التل فكانوا هناك واقفين نزلت نحوهم ببطء حتى ليشعروا بوجودي فجأة وجدت نفسي بينهم ننضر إلى القائد الذي كان يعلو صخرة أسطوانية يبدوا عليها أنها قد وضعت هناك بعناية فخاطبنا قائلا:(اذهبوا لترتاحوا قبل الاجتماع مع المهم مع الثائر الأكبر)ثم نزل من الصخرة وبدأت الحشود تتحرك لم أجد إلى أن أتبعهم،توغلنا في ممر وسط أعشاب كثيفة ونزلنا بعض المنحدرات وصعدنا هضابا وبعد أن صرنا في قمتها لاح لي في أرض واسعة ومكشوفة منازل مشيدة بإتقان ورجال في أراض واسعة يزرعون أرضا وأطفال يلعبون مررنا بالقرب من المنازل إلا أن تجاوزناها وخرجنا من باب يتوسط سورا يحيط بالمكان فانتقالنا عبر غابة صغيرة إلى أن وصلنا إلى مخيم أقيم على أرض مكشوفة وسط هذه الغابة ورفع عليه علم أبيض وقفت قليلا لأتأمله إلى أن أحسست يد تدفعني لأتحرك ولما صرنا داخله انقسم الجمع إلى مجموعات صغيرة توجهت كل واحدة لخيمة فتبعت إحدى المجموعات ودخلنا إلى خيمة تتوسط بقية الخيام ونزعوا ألثمتهم فتفرست في وجوههم فكانوا عاديين يفيض الطموح من عيونهم المشرقة فكنت أنتظر أن أرى أناس غير هؤلاء ثم أخد كل واحد منهم مكانا له ليرتاح فيه وذاك ما قمت به فالتعب أخد من مأخذا عظيما فتكلم أحدهم:(أظنها بوادر حرب جديدة تلوح في الأفق)وأجابه شخص أخر:(قل ثورة ضد المجرمين القتلة...). أما أنا فقد غلبني النعاس ونمت نوما عميقا.
استيقظت على صوت مرتفع يأمرنا بالخروج للساحة للسماع كلمة القائد في الاجتماع قام الجميع وخرجوا من الخيمة فتبعتهم فتجاوزنا المخيم بقليل فوجدنا أنفسنا ساحة واسعة وقد جلس على أرضها ما يفوق الآلف من الرجال وقد أدى امتزاج أصوات حديثهم إلى تكوين صوت مهيب يشبه صوت هدير رمال صحراء عظيمة فجأة ساد صمت المكان ووجهت العيون إلى قادم نحو الجمع فبدأ يشق طريقه بين الرجال الجالسين إلى أن وصل إلى الوسط فكان رجلا كباقي الرجال لا يختلف عنهم إلا بلباسه الأسود وقبعته المستديرة لكنني لم أستطع رؤية ملامحه لأن وجهه كان يغطيه لثام أسود انتظرت لوقت قصير قبل أن أسمع صوته وهو يلقي التحية التي ردها عليه الجميع ثم طلب من الجمع ترديد النشيد الوطني ووقف الجميع موجهين أبصارهم نحو عمود حديدي وضع عليه علم وبدأ يرفع ثم شرعوا في ترديد كلمات لم أعرف أغلبها لكن استطعت تميز بعض الكلمات كالحرية والسلام...وبعد الانتهاء قال قائدهم بصوت مسموع :(أيها الثوار لقد صبرنا على الظلم كثيرا وقاومنا طويلا وقطعنا أشواطا كبيرة في نضالنا والآن لم يبقى إلا القليل القليل على النصر الكبير،لقد تحملنا شر المجرمين الأوباش لكن خيانة إخواننا كانت قاسية على قلوبنا لقد اعترفوا بسيادتهم ونسوا سيادتنا نعم لقد صبرنا وتحملنا ولم نمل قط لأننا وضعنا حسام الحق في أيدينا وتقدمنا والله معنا لهذا قررنا أن نعد للحرب الأخيرة لأنها مفتاح الحرية فالموت أهون علينا من الاستعباد لهذا قررنا أن نرسل مجموعة للمدينة لنشوش عليهم لكي نتمكن من إدخال بعض الأسلحة وفل يكن الله في عوننا.)
أما أنا فسألت كثيرا عن طبيعة هذا الشخص ولما يخفي وجهه بين قومه وما لم أكن أننظره هو اختياري ضمن المجموعة التي ستذهب إلى المدينة فوقعت في مفارقة غريبة فبعدما كنت مع الجنود الآن أنا مع هؤلاء الثوار.سلمت لنا أسلحة وتوجهنا نحوا بناء أسطواني كنت قد رأيته من قبل لكن لم أعر له أي انتباه فتحوا بابه فبدأنا ندخله واحدا تلوى الأخر وبعد أن أصبحنا جميع في الداخل كنا أمام بابين تبعنا المكلف بالمجوعة الذي دخل في الباب الأيمن ولما دخلت وجدت نفسي في مكان يشبه المصعد فضغط
المسئول زرا فشعرت أننا نرتفع إلى الأعلى وبعد وقت من الصعود أحسست أننا وصلنا ولما فتحنا الباب كنا قد صرنا بداخل منزل مهجور كالذي دخلناه برفقة الجنود لكنه مضاء بفضل نور ضعيف تسرب من النافذة المكسورة تقدمنا القائد وخرج من باب المنزل وتبعناه لنجد أنفسنا بمكان من المدينة فطلب قائد الفرقة أن ننقسم إلى مجموعات صغيرة وأن يكون على رأس كل مجموعة قائد وأشار بيده إلى الساعة وأخبرنا أنها الثالثة بعد الزوال وسنلتقي عند غروب الشمس أي بعد ست ساعات فانقسمنا إلى خمس مجموعات وكل واحدة تضم ستة أفراد أي أننا ثلاثين فردا تقدم ولما قررنا اختيار من يكون قائدا علينا تراجعت لأنني لا أعرف هذا *المكان فكيف أقود مجموعة وأنا أحتاج لمن يقودني تقدم أحد من الرجال وتقلد أمر القيادة من خلال صوته شككت أنني قد سبق لي أن سمعته،تقدمنا متجاوزا الشوارع ونحن خلفه إلى أن سمعنا ضحكا مرتفعا خلف سور تسلقه القائد باحتراس ونضر ثم نزل وقال.(إنهم المجرمين في حالة من الثمول فهذه لقمة سهلة لكي نسرق ملابسهم ونتنكر بها لكن علينا تدبير خطة لأنهم يتجولون بكل مكان)ونحن على هذا الحال سمعنا وقع أقدام متجه نحونا التصقنا بالسور نرى من المار فلما ظهر كان جنديان لم يرونا فوقع بصري على حزاميهما المدججان بالقنابل وذلك ما رآه القائد فباغتهما بضربة سريعة على رقبتهما فقدا على إثرها وعيهما ثم جرناهما من القنابل التي تبين لنا أنها غازية فقط ومن ملابسهما العسكرية .بعد أن حصلنا على اللباس والقنابل وجهنا اهتمامنا نحوى الجنود الثملين فرما القائد بقنبلة عليهم أفرزت غازات لم نعلم طبيعتها هل مخدرة أم قاتلة ثم انتظرنا زوالها وقفزنا من أعلى السور وأخذنا ملابسهم وأصبحنا جميعنا نتوفر على لباس خول لنا السير دون خوف من أن نكشف ونحن نسير في الشارع سمعنا صوت رصاص توجهنا لمصدره فكانت مجموعة من المجمعات محاصرة من الجنود فبدأنا نفكر في طريقة لنجدتهم لكن ما زاد الطين بلة هو قدوم دبابة لقصفهم فانضممنا إلى الجنود وكأننا نساعدهم على القتال لكن كان ذلك مجرد خذعة لكي يتسنى لفرد من المجموعة التسلسل لذبابة وذلك ما فعله فتسلل إلى داخلها القائد فأدركت أنه خبير بقيادتها وطلب من الانضمام إليه وأخذ شخص أخر مكان المدفعي أما أنا فقد أحسست بحر شديد داخلها فهذه المرة الأولى الذي أركب هذا الوحش المعدني المدمر وكنت منقطعا عما يحدث في الخارج فقط شعرت أنها تتقدم بسرعة إلى الأمام فجأة توقفت وأمر القائد من الدفعي الاستعداد فدفعني فضولي لأنضر في الشاشة الصغيرة التي ينضر لها القائد فظهر لي فقط صورة حرارية بها مجموعة من الجنود عرفت من طريقة وقوفهم أنه حاجز فنطق المدفعي(سيدي إني مستعد)فتكلم القائد(انتظر قليلا ربما يريدون مخاطبتنا بشيء)فجأة انبعث صوت من لا سلكي الذبابة(توقفوا واسلموا الذبابة قبل أن ندمرها)فيلتفت القائد للمدفعي ويسأله(هل فرت المجموعة من حصارهم؟)ويجيب(نعم يا سيدي لقد نجوا)فقال(إذن أطلق النار)فيطلق قذيفة سببت انفجارا مدمرا انمحت على إثره من الشاشة كل حركة لإنسان حي وانطلقت الذبابة بسرعة كأنها سيارة خفيفة فجأة ملئ المدينة صوت قوي يشبه الإنذار فقال القائد(إنها القوات الخاصة استعدوا)وما إن سمعت اسم القوات الخاصة حتى ارتعدت فرائسي وأحسست أن الدنيا ارتجت بقوة فأنا أعرف بأسها وكنت ضمنهم فضحك القائد ضحكة المتحدي قائلا(سوف أنصب لهم كمينا فهذه الذبابة مزودة بنظام تدمير ذاتي سوف نشغله ونهرب ولكن على أحدنا أن يبقى بها)صمت الجميع ونظر كل واحد في عيون الأخر فلما رأى القائد ذلك قال(أنا لدي الخبرة سأبقى بها لكن سيبقى معي هذا الشخص) مشيرا بسبابته نحوي فضننت أنه يمزح معي فقط لكن لم يكن ذلك مزاحا بل كان جادا حينها كنت في وضع لا أحسد عليه فالرعب أخد مني مأخذا عظيما وطلب من البقية النزول والتوجه إلى المكان الذي حدده لهم قائد الفريق الكبير ولما نزلوا ساق الذبابة نحوى مكان ضيق بإحدى الشوارع وأوقفها ثم نظر لي وابتسم قائلا:
_كيف تسير أمور مهمتك الشريفة؟
نزل كلامه علي كالصاعقة فحاولت التظاهر بالجهل عمم يتحدث
_أي مهمة ؟يا سيدي فمهمتي هنا هي مهمتك.
_لا تحاول أن تنكر فقد عرفتك يوم وضعت قدماك على هذه الأرض فأنت في أمان يا رجل.
_وكيف علمت هذا من أخبرك عني وعن مهمتي؟
لكنه تجاهل سؤالي وشغل مؤقت الذبابة صرخ في وجهي(هيا لنهرب فلدينا أقل من أربعة دقائق قبل انفجارها وقد أوشكوا على الوصول)خرجنا منها وأطلقنا ساقينا للريح مخترقينا الشوارع وعندما أصبحنا في أمان طلب مني النظر للسماء فلما رفعت عيني للسماء انطلقا خط عمودي من الأرض ثم اختفى بسرعة مخلفا وميضا أصفر فنضرت للقائد مستغربا عن هذا الضوء لكن أجابني صوت انفجار مدوي هز الأرض تحت أقدامنا وأطلق أعمدة من الدخان غطت سماء المدينة نضر لي القائد وقال(إنها من أحدث قنابلهم يسبق وميضها انفجارها وهي تستعمل ضدنا والدبابة لم تكن معد للانفجار الذاتي وإنما أنا وضعت بها القنبلة التي استوليت عليها منهم وكل ذلك لأقتل منهم عددا كبيرا ففي الأربعة دقائق كانوا قد أحاطوا بها وبالتالي قتلوا بسمهم) أصبت بالذهول من هذا الأمر وطلب مني القائد الإسراع لنلحق بالمجموعة في المكان المحدد ولما وصلنا للممر الوحيد المؤدي وجدناه محاطا بالجنود وآليات الحراسة
_ماذا سنفعل أيها القائد؟فقد هزمنا فيما يخص المراوغة.
_سوف ألهيهم وأنت أهرب.
_ولكن أنت ستتعرض للموت المحتوم.
_عليك الذهاب الآن فأنت مجرد شخص أراد أن يعلوا الحق ولا يعلى عليه فأنت أملنا الوحيد.
خرج إليهم وأطلق النار وهرب فتبعوه جميعهم فخلت لي الطريق وفررت لكنني تهت عن الطريق ودخلت إحدى الأزقة وانا خائف من وحدتي سمعت صراخ طفل اختفيت وراء جدار منزل ونضرت فكان جنديان يضربان طفلا صغير ويضحكان ضللت على تلك الحالة بضع دقائق لكنني لم أتحمل وظهرت لهما وقلت (_هيا أتركاه أيها الوحوش إنه مجرد طفل صغير.) نضرا إلي وهم مندهشين لكنهم سرعان ما انفجروا ضاحكين فاستغل الطفل انشغالهم بأمري وهرب نحوى الأزقة التي أصبحت مظلمة بعد أن مالت الشمس للغروب فلما رأيا فرار الطفل استشط غضبا وصرخ بأعلى صوته(لقد أضعت لنا لعبتنا فعليك الحلول مكانه)وتقدما نحوي بسلاحهما فاستعددت للموت وأنا أنتظر ما سيحدث انهالت عليهما كميات كبيرة من الأحجار المتواصلة استطاعت أن تدميهما وتفقدهما وعيهما فلما تطلعت مصدر الحجارة كان مجموعة من الأطفال وبرفقتهم الطفل الذي أنقدته تقدم نحوي وقال(شكرا يا سيدي على إنقاذك حياتي من هؤلاء المجرمين القتلة)وقبل أن أتكلم عاد للمجموعة وبدئوا يوجهون للجنديين ركلات قوية ثم أخذوا سلاحيهما واختفوا بالأزقة التي ظهروا منها،لم أتحرك من مكاني فقد اختلطت الأمور علي وأنا على تلك الحال رأيت رجلا ظهر من أحد الأزقة ويتقدم نحوي ولما وقف أمامي قال: (_هل أنت الذي أنقدت الطفل قبل قليل؟) ارتبكت قليلا لكن سرعان ما ضبطت نفسي وأجبته(نعم أنا الذي أنقدته)فقال(إن الرئيس يود مقابلتك فاتبعني) وسرت في إثره عبر أزقة ضيقة وكان الظلام ق سيطر على المكان بعد غروب الشمس فتوقفنا أمام منزل فتح بابه ودخل فاتبعته فصعدنا سلالم تؤدي إلى الطبق العلوي وبما صرنا بغرفة واسعة ظهر لي رجل ضخم الجثة طويل الشاربين يحمل سلاحا ويتوسط مجموعة من الرجال وقفت مكاني ولم أتقدم أكثر لكنه أشار لي بيده لكي أتقدم أكثر فتشجعت وتقدمت نحوه فنضر في عيناي نظرة حادة وقال: (_أردت أن أشكرك نيابة عن الجميع فلولاك لكان الولد ميتا رغم أنك لا تنتمي لفريقنا وإنما تنتمي لهم) فكان أول سؤال طرحته على نفسي من يقصد بهم؟نضرت إليه وكان لا زال يحدق بي وقبل أن أسأله قال لي(ما رأيك في الانضمام إلى مجموعتنا فنحن ندافع عن نفس القضية إلا أننا اختلفنا في بعض الأفكار)فعرفت من كلامه أنه يقصد الثوار وظنني واحدا منهم لكن لما هم منقسمون؟بينما عدوهم واحد؟أما هو فكان ينتظر جوابي فنضر له وقلت(أنا لست واحدا منهم أنا مجرد صحف...)وقبل أن أكمل دخل أحد الرجال وقال(سيدي إنهم يشنون هجوما ضدنا علينا التصرف)فسمعنا صوت انفجار في الخارج
فطلب القائد من الجميع أخد مكانه وبعد وقت قصير دخل رجل مسلح وقال(سيدي لقد حصرنا من كل مكان) وسأله القائد(كم عددهم؟)فأجابه(عددهم يفوقون بكثير)فجأة دوى صوت انفجار أمام المبنى وبدأ إطلاق النار بشكل متواصل وبعد ذلك مباشرة فجر الباب ودخل مئات من الجنود وقبضوا علينا جميعا وسيطر علي ضنك شديد لأنها المرة الأولى التي أقع في يدهم فخفت أن أموت قبل أن أنقل ما رأت عيناي عملنا بعنف ونحن نغادر المنزل ففي الخارج ظهرت قوة المعارك التي دارت بالخارج ساقونا لسيارة معدة لحمل السجناء وأغلق علينا الباب الفولاذي وبدأت أحس أنها تتحرك وكلما مر الوقت تسألت عن مصيرنا وأين سينهي بنا المطاف فلم يقضني من تيه أفكاري سوى انفجار قوي تبعه إطلاق نار وفتح باب السيارة فكان مجموعة الملثمين طلبوا مني أن أتبعهم ولما خرجت كانت أغلب السيارات المكونة للمجموعة تحترق مررنا عبر الأزقة بسرعة خاطفة إلا أن دخلنا منزلا فتح بأرضيته سلم ينزل تحت الأرض فنزلت معهم وسلكنا عدة أنفاق ولما وصلنا إلى غرفة صغيرة لا يوجد بها أي نافدة ولا أي مخرج من غير الذي دخلنا منه أخرجوا عصابة وضعوها على عيني وقادوني إلا حيث لا أعلم ولما أحسست أننا في مكان أوسع وضعوا على أنفي منديلا به رائحة قوية ولما استنشقتها فقدت وعي وعندما استعدته وجدت نفسي خارج أسوار المدينة ومنذ داك الحين وأنا أحاول إقناع الناس بقصة المدينة لكن لا أحد يصدقني.فهل صدقتني؟
نضرت إليه طويلا وقلت) بطبيعة الحال لن يصدقوك ولو كنت ما قلته حقيقة صدقتك ولدي الحل لندخل المدينة.)
_ولكن ما هو هذا الحل وأنا مند وقت طويل أبحث كيف أدخلها دون جدوى.
فطلبت منه أن يفعل مثلي فقط وأغمضنا أعيننا ثم تمنينا أن نصير داخل المدينة ولما فتحنا أعيننا كنا داخلها ولكن كل شيء هادئ لا يوجد أي أثر للعنف والدمار وشرعنا نتجول بالشوارع فصادفنا شخصا توجهنا نحوه وقلت له:
_أريد أن أسألك عن هذه المدينة فهل قادر على إجابتنا؟
_اسأل فأنا أحب أن أجيب عن الأسئلة المتعلقة بهذه المدينة.
_في أخر مرة كان فيها رفيقي هذا هنا قال لي أنها كانت عبارة عن ساحة حرب.فماذا حصل؟
_هنا حصل كل شيء حصل ما لم يحصل منذ قرون عدة هنا وفي يوم من الأيام استيقظ الحق وحارب الاستبداد.
_ولكن كيف حدث هذا ؟ومن انتصر في الأخير؟
_كيف حدث أعرف جوابها لكن من انتصر في الأخير لا أستطيع أن أجزم لأن المعركة بينهما لم تتوقف يوما ولا أضنها ستفعل.ولكن ما حدث هنا له علاقة بما مع جيراننا الدين تخلفوا عن دعمنا ورعوا مصالحهم ولكي أحدد أكثر زعماء جيراننا فجيراننا لم يختلفوا عنا إلا بكوننا تحت استبداد خارجي وهم تحت استبداد داخلي ،ثاروا ضد هذا الاستبداد وأسقطوه ثم هبوا وتقاطروا من كل الجهات لمساعدتنا وحاصروا المحتل الذي وجد نفسه محرجا لأن الضمائر قد استيقظت ولن يقد من الآن على فعل ما يشاء
وبعد أن عرف أن القوة لم تعد السلاح المناسب لجأ إلى لعب أحر أوراقه وهي ورقة الخداع والتحايل،لقد انسحب من مدينتنا وسمح لجيراننا بالدخول وحتى يظهر نيته الصادقة في السلم ساعدنا على إصلاح ما دمرته سنوات الحرب .
_هذا أمر جيد فقد عوض عن ما دمره ويريد مصادقتكم.
_ هذا يبدوا جيد لكن وفي الحقيقة كان مجرد ذر الرماد في العيون وانسحابه ما هو إلا تمهيد لنوع جديد من الاستعمار،صحيح سحب قوته وأوقف القتل والاستغلال المباشر لكن وللأسف جعلنا نسخا طبق الأصل عنه وفي الجانب السلبي فقط مرر لنا كل ما يضرنا ومنع عنا ما ينفعنا.لقد قتل فينا روح الابتكار والتجديد اغتال هويتنا وسرق من أحلامنا فعندما كنا تحت رحمة آلات قتله كنا نقاوم ونموت رجالا كما نحن أما الآن أصبحنا كزهور اصطناعية لدينا الشكل والمظهر لكن دون روح،فالزهور الطبيعية تقوم بعدة أدوار ففي مظهرها سحر للعين وفي رائحتها طيب للنفس وجذورها وأوراقها طعام للحيوانات وإن اقتلعتها من تربتها ووضعتها في مزهرية لن ترضى بذلك وتفضل الذبول على العيش في بيئة بعيدة عن بيئتها والقيام بدور ليس بدورها وحتى إن أحرقتها فلن ينتج عنها سوى رماد طبيعي وإن ذبلت ورميت في التربة فلن تأبى إلى أن تعود لأصلها والاندماج في التربة التي كانت تغذيها .لكن الزهور الاصطناعية هي مجرد نسخ مقلدة ولا تستطيع القيام بما تقوم به الأصلية ما تقوم به هو سحر العيون وتقبل العيش في إي مكان ولو كانت مزبلة إن أحرقت فلن ينتج عنها إلى رائحة كريهة ومؤدية وفي حالة رميها في التربة فستقاوم إرادة الطبيعة لمئات من السنين.هكذا حولنا إلى هياكل دون روح .اتبعوني لأريكم بعض الأشياء. تبعناه ومررنا عبر شوارع خالية فسألته :
_ هل تعرف سبب خلو هذه الشوارع من الحياة؟
_ هذه الشوارع في الأمس القريب كانت ممتلئة وكان يمر هنا الفقر بجوار الأخلاق والصدق والخير بجوار الحرمان.
_وما الذي حصل للناس؟
_لا تسألني عن الناس ولكن اسألني عن الأمور التي تأسس عليها حياة الناس فالناس لا معنى لهم دون هذه الأمور .الخير والصدق والأخلاق.فالأخلاق اغتلناها والصدق ضل طريقه إلينا أما الخير فقد تم نفيه.وبالتالي تركنا حياتنا تخضع لسيطرة الشر والحرمان و الفقر ومنذ دلك الحين ونحن نبحث أنفسنا لننبعث من جديد لكن هذا يبدوا مستحيل.
_هذا حقا لأمر محزن فهل يمكنني أن اقدم أي مساعدة ؟؟
_نعم ساعدنا بحفاضك على قيمك وأخلاقك فهي صمام أمانك وأمان المجتمع.
_أريد أن أسألك السؤال الأخير وأرجو لو تجبني بصراحة.
_ لا مشكل إذا كان باالإمكان الإجابة عنه.
_أردت أسألك عن مكان سري كان يختفي به شعبكم بعد الإحتلال.هل تعرف عنه شيأ؟
_نعم لقد عرفت عما تتحدث فذلك المكان هو أرض عادية لكن ما هو ليس عادي هو ذلك الإغتراع الذي كان من أفضل ما توصلت إليه مجهودتنا وبحوثنا لكن للأسف تم تدميره بعد أفشى سره بعض الخونة لكن لم يحصلوا على تصميمه وأنا الوحيد الذي أحتفظ به وأخرجه من جيبه ووضعه بجيب قميصي وبدأت صورته تتلاشى شيأ فشيأ حتى اختفى وكذلك مرافقي .فجأة سمعت الأستاذ ينادي باسمي فانتفضت من مكاني .
_ما بك يا ولد هل تنام في القسم(فيضحك جميع التلاميد) أخبرنا ما الذي تعرفه عن الوعي؟
صمت لبرهة من الوقت نضرت أمامي وخلفي وقلاك
_الاوعي هو أن تجرب كل يوم طريق وان تدخل منزلا ضخما بدون أبواب ...الاوعي هو أن نحافضض على الأخلاق واااو .......
_توقف يكفي ما هذا التهريج؟ لقد أصبحت من تلميذ إلى مهرج يضحك التلاميذ .
_لا هذا عشته انا بالدات (وحكيت له عن كل شيء وهو يصغي كما حال الجميع ووقفت عند حد الورقة وأخرجتها من جيبي وتقدمت نحوه فسلمتها إليه )
تسلمها واطلع عليها فانفجر ضاحكا وما إن تذكرت أن تلك الورقة ماهي إلا ورقة كتب عليها بعض اللوازم التي علي إقتنائها حتى تجمدت في مكاني ،أعاده لي دون أن يعلم التلاميذ ما كتب عليها ودلك مازاد استغرابهم عن هذا المشهد الغريب .
_هل انتهت قصتك الغريبة ؟
_لا لا لم أتناول فطوري بعد (فانفجر القسم ضاحكا مرة أخرى ولكن في الحقيقة كنت أعني دلك لأنني سمعت هل تناولت فطورك؟
_يمكنك الذهاب أنت لست في حالة عادية . لم أجد
إلى أن أطلق الضحكات التي كانت تصارعني ومرة أخر ى بدأ كل شيء يتلاشى وأحسست بيد
تجدبني بقوة
_استيقض إنك نائم وتضحك هل هو حلم أم مزاح؟
نعم كنت أحلم و تجلى لي ماالدي يعنيه أستاذ الفلسفة بأن الحلم مضهر من مضاهر الاوعي.
_استيقض إنك نائم وتضحك هل هو حلم أم مزاح؟
نعم كنت أحلم و تجلى لي ماالدي يعنيه أستاذ الفلسفة بأن الحلم مضهر من مضاهر الاوعي.
محمد العبادي